بعد أن حل عباس التشريعي حرم نواب حمـاس في الضفة من الراتب (نواب الحركة في غزة مقطوعة رواتبهم منذ 2007م)، وبسبب انتمائهم السياسي لم يستطيعوا العثور على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، ولا تستطيع حركتهم إرسال الأموال لهم؛ لأن السلطة والاحتلال سيعاقبانهم بتهمة تلقي الأموال من "الإرهاب".
بدلًا من البكاء على حالهم أو التفكير بالهجرة إلى الخارج، قرروا الاعتماد على أنفسهم في أعمال حرة يترفع عنها بعض الشباب الملوث بالبرستيج الاجتماعي الكاذب، ليضربوا مثلًا في الصمود ورفض اقتلاعهم من أرضهم.
أحدهم يعمل سائق سيارة أجرة، وآخر فتح محلًا لبيع الفلافل، لكن سأخصص الكلام اليوم عن النائب الدكتور ناصر عبد الجواد (55 عامًا) لأنه بالفعل ظاهرة مميزة.
أمضى النائب عبد الجواد ما مجموعه 18 عامًا في سجون الاحتلال، وسجن آخر مرة بعد عودته من ماليزيا قبل ثلاثة أعوام، بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الشريعة من ماليزيا.
رغم معرفته باحتمال اعتقاله لدى الاحتلال ووجود الإمكانية للعمل في الجامعات الماليزية وغيرها، لكنه أصر على العودة ودفع ثمن ذلك سجنًا لعام ونصف العام.
منعته جامعة النجاح من العودة للتدريس فيها (حيث كان محاضرًا فيها قبل دخوله التشريعي) بسبب انتمائه السياسي، كما حرمته السلطة من راتبه كأسير محرر.
توجه للعمل في الزراعة مستغلًا قطعة أرض مساحتها 4 دونمات في منطقة سلفيت ورثها عن والده، كما استأجر أراضي من المواطنين لقطف زيتونها، وتعمل معه زوجته واثنان من أبنائه، ويشغل أيضًا معه بعض العمال.
لم يقبل بأن يكون عالةً على المجتمع بل هو فرد منتج واتجه نحو الزراعة في محافظة سلفيت التي يهددها تغول الاستيطان الصهيوني بشكل كبير، في وقت يهرب الكثير من الشباب من العمل في الزراعة مفضلين الوظائف الحكومية رغم أن غالبيتها وظائف وهمية وبطالة مقنعة.
ورغم أنه تدبر أمره برزق كريم فإنه لم يستسلم لسرقة السلطة حقوقَه، وتوجه للمحاكم رغم أن أحكامها في كثير من الأحيان تكون مسيسة، وفي أحيان أخرى تصدر أحكامًا لا تلتزم بها، لكنه فعلها من باب "ما ضاع حق وراءه مطالب".
الكثير من الشباب يتذمرون من الظلم الواقع عليهم ومن البطالة وانسداد الأفق وفساد السلطة، ويفكرون بالهجرة ويرفضون العمل إلا في وظائف مضمونة. الدكتور ناصر عبد الجواد عانى وظلم أكثر من أغلبهم، وأعطانا درسًا في كيفية التصدي للظلم والاحتلال والصمود على هذه الأرض.
وأخيرًا أريد التذكير بسذاجة وخفة الكثير من أبناء الحركة الذين انساقوا وراء حملة شيطنة نواب المجلس التشريعي التي شنها إعلام السلطة تمهيدًا لقرار حل المجلس التشريعي، وكيف كانوا يسخرون ويلمزون من نواب الحركة في الضفة وغزة بأنهم لا يفعلون شيئًا ولا يقومون بدورهم، متناسين أن من يعطل التشريعي هو محمود عباس وسلطته الذين لا يريدون لصوت الشعب أن يعلو.
ربما ما زال الكثير يجهل بأهمية وجود مجالس تمثل إرادة الشعب وتنطق باسمه، وربما يرد الدكتور ناصر عبد الجواد الاعتبار لأهميتها من خلال النموذج الذي يقدمه.