فلسطين أون لاين

الاستيطان الرعوي.. هكذا تبتلع "إسرائيل" الضفة الغربية بأقل عدد من المستوطنين

أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات بحث من الجو وعلى الأرض، بما في ذلك القوات الخاصة، منذ ساعات ما بعد الظهر المبكرة الجمعة الماضي، إثر التبليغ عن اختفاء مستوطن يدعى بنيامين أشيمير (14 عاماً)، حيث كان يرعى الغنم لكن قطيعه عاد من دونه.

بعد اختفائه شن مستوطنون بحماية قوات الاحتلال وبرعاية المتطرفيْن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش هجمات هي الأوسع والأعنف على قرى فلسطينية. فاستهدفت هجمات المستوطنين بالدرجة الأولى بلدة المغير شرقي رام الله، ما أدى لاستشهاد الشاب جهاد عفيف أبو عليا وإحراق عشرات المركبات والمنازل وأشجار الزيتون، كما استهدفت قرى أبو فلاح وترمسعيا ومناطق أخرى.

جاء ذلك بعد اختفاء المستوطن، وقبل العثور على جثة ذلك المستوطن الإسرائيلي بعد يوم من فقدانه أو انتظار معرفة السبب وراء نتيجة حادث عرضي، لكن المستوطنين لم ينتظروا وعاثوا فساداً في قرى وبلدات في الضفة الغربية ونكلوا بأهلها.

ولم يكن هذا العنف بالشيء الجديد، إذ تتكون عصابات المستوطنين من أفراد تابعين للصهيونية الدينية، مثل كتيبة "نيتسح يهودا" التي تنتمي إلى لواء كفير، والتي يخدم فيها المتدينون الحريديم. تنشط هذه الكتيبة في منطقتي رام الله وجنين، مساندةً المستوطنين في هجومهم على قرى رام الله. على مدى سنوات، تم تسجيل العديد من الانتهاكات التي ارتكبها أفراد هذه الكتيبة.

ومنذ سنوات طويلة، تعلن هذه الجماعات علانية أنه يجب طرد الفلسطينيين، مركزة عملها على السفوح الشرقية لجبال الضفة الغربية المطلة على غور الأردن. وخلال السنوات الأخيرة، عملت هذه الكتائب على طرد وتهجير البدو الفلسطينيين من المنطقة.

وقد ابتكرت هذه العصابات ما يُعرف بـ"الاستيطان الرعوي" بهدف السيطرة على أوسع مساحة ممكنة بأقل عدد من المستوطنين، بالإضافة إلى التضييق على رعاة المواشي الفلسطينيين وطردهم بمساعدة جيش الاحتلال. وكان هذا المستوطن المفقود جزءاً من هذا النوع من الاستيطان.

والمرحلة التالية التي يسعون لتحقيقها هي تهجير القرى الفلسطينية في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة (المنطقة ب) مثل المغير، ويستغلون فترة الحرب على غزة لتسريع هذه المرحلة، ولهذا لم ينتظروا ليعرفوا مصير المستوطن أو سبب غيابه، فلديهم أجندة مسبقة.

ويبدو أن الأمور تتجه الآن نحو المرحلة التالية التي يسعى المستوطنون لتحقيقها، وهي تهجير القرى الفلسطينية في المناطق التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (المنطقة ب) مثل قرية المغير. إذ يستغلون فترة الحرب على غزة لتسريع هذه المرحلة، وهذا ما يفسر اقتحامهم القرى حتى قبل معرفة مصير المستوطن أو سبب غيابه، لأن لديهم أجندة مسبقة.

في الوقت نفسه، بينما كان المستوطنون يحرقون القرية، نشر "مجلس قروي المغير" التابع للسلطة الفلسطينية على فيسبوك منشوراً يطمئن فيه المواطنين، داعياً إياهم إلى عدم الاحتكاك بالمستوطنين لأنهم فقط يبحثون عن مستوطن مفقود.

ويحق لي أن أقول إن هذا الإعلان هو جزء من الدور الذي تلعبه سلطة أوسلو، إذ أرى أن وظيفتها الأساسية تكمن في تكبيل أيدي الشعب الفلسطيني، ليس فقط من خلال الاعتقالات وملاحقة المقاومين، بل أيضاً من خلال تضليل الناس ودعوتهم للهدوء وإعادة برمجة عقولهم، وإقناعهم بأن "سلامتهم" أهم من مواجهة ومقاومة الاحتلال.

فالسلطة الفلسطينية بدلاً من تشجيع الناس على مواجهة المستوطنين عملت طوال (17 عاماً) على تفريغ الساحة الفلسطينية من أي قوى منظمة تستطيع مواجهتهم، وحاربت المقاومة بشراسة، بل وشجعت الناس على ثقافة تحاشي المستوطنين والاختباء داخل مناطق السلطة، لكن كما رأينا في المغير فحتى الاختباء بمناطق السلطة لن يعود آمناً.

إن مواصلة السلطة دورها في تثبيط الناس وقمعهم ودعوتهم لعدم التصدي للعدوان يجلب ردوداً أكثر عنفاً، إذ نرى اليوم كيف بذلك يتم تشجيع المستوطنين على مهاجمة الناس الذين يلتمسون السلامة في بيوتهم.

إن العمل المقاوم في الشوارع الاستيطانية والذي تصاعد مؤخراً سيجلب ردود فعل عنيفة من المستوطنين على المدى القصير، وهذا ما سوف تستغله السلطة لمحاربة المقاومة، لكن على المدى المتوسط والبعيد هو الحل الوحيد من أجل وقف المشروع الاستيطاني بالضفة، بشرط الاستمرارية وزيادة كثافة العمل المقاوم. ولأن حماية الفلسطينيين ليست على جدول أعمال السلطة الفلسطينية، كمحلل ومتابع للشأن الفلسطيني، يجب أن يستمر العمل المقاوم من شباب بلدة المغير والقرى المجاورة والمشي على خطا المقاومة.