ماذا بعد
لم يفرح الشعب العربي التونسي بفوز قيس بن سعيد برئاسة تونس، الذي فرح بالفوز هم كل الشعوب العربية، الذين افتخروا بقدرتهم كأمة على ممارسة الديمقراطية، وافتخروا بقدرتهم كشعوب عربية على حسن اختيار الحاكم إذا توافرت لهم الظروف الموضوعية، وافتخروا بقدرتهم على محاكاة أرقى الديمقراطيات في العالم، ليتبين للقاصي والداني أن مشكلة الشعوب العربية لا تكمن في جهلهم وتخلفهم ووحشية سلوكهم كما يحاول البعض أن يطعن بأصول العرب، مشكلة الشعوب العربية تكمن في الحاكم المدعوم من الغرب، والمكلف بالحيلولة بين الشعوب العربية ورغبتها في اختيار رئيسها بشكل ديمقراطي.
تجربة تونس لن تظل محصورة على أرض تونس، تجربة الشعب التونسي شجرة أعطت ثمارها، وفاح أريجها، وهي تنثر بذورها في كل بلاد العرب، التي تتضور جوعاً للديمقراطية، وتتوجع من حجم المؤامرة الصهيونية على الأجيال العربية، تجربة تونس الديمقراطية هزت وجدان الشعوب العربية كلها، وهي تتحفز لصناعة اللحظة التي تمكنها من ممارسة حقها الديمقراطي في اختيار الحاكم، وفي استبداله، وفي لفظه إن استوجب، ومحاكمته إن مارس الفساد والسطوة والتفرد في الحكم دون مرجعيات قانونية أو سياسية.
قيس بن سعيد؛ اسم عربي يذكرنا بتاريخنا الذي حاول البعض أن يطمسه، قيس بن سعيد اسم يزيح الغبار عن وجه حضارتنا العربية، وكرامتنا العربية، قيس العاشق لمرابع ليلى العامرية، والمجنون بحب ليلى الفلسطينية، ابنة القضية العربية التي تعتبر مرتكز السياسية الدولية العدائية في المنطقة، السياسة الدولية التي تتعمد ذبح الشعوب العربية كي يحيا أعداؤها، وتتعمد تجهيل الشعوب العربية، كي تتجلى ثقافة أعدائها، وتتعمد تجويع الشعوب العربية كي يشبع أعداؤها، وتقوم بقمع الشعوب العربية، لينتصر أعداؤها، ويواصلوا ذبح ليلى الفلسطينية على فراش الأطماع الصهيونية.
ولما كانت تجربة تونس الديمقراطية أمنية لكل عربي، ولما كانت روعة التجربة ستفرض نفسها على كل بلاد العرب، فذلك يعني أن تونس قد صارت في عين المؤامرة، وأن المتآمرين على تونس في المرحلة القادمة سيكونون أضعاف أعدائها قبل تجربة الديمقراطية، لذلك قد تتعرض تونس للتجويع، وقد تحاصر تونس، وقد تختنق تونس بحلف المتآمرين على مستقبل الأمن، ليلتقي الغازي والغادي والعميل والذليل على ذبح النموذج الرائع لشعب تونس الرائع، وهذا بحد ذاته محفز لشعب تونس كي يأخذ حذره، ومحفز للشعوب العربية كي تحمي بواكير تجربتها في الوجود.
تونس العربية تبعث الأمل في النفوس العربية من جديد، وهي تمد يدها الديمقراطية إلى فلسطين العربية، وتنادي: متى تنتخبون رئيسكم أيها الفلسطينيون بطريقة ديمقراطية؟ متى تحررون أرضكم بقيادة رئيسكم المنتخب؟ متى يلتقي الرؤساء العرب المنتخبون تحت مظلة جامعة دول عربية تمثل الشعوب العربية، ولا ترتضي بين أروقتها إلا رئيساً منتخباً بشكل ديمقراطي؟ متى يسترد الإنسان العربي دوره الحضاري والثقافي والتكنولوجي والعلمي والاقتصادي في مجتمع دولي يحتقر كل حاكم عربي يغتصب السلطة بدعم وإسناد خارجي؟ متى؟