فلسطين أون لاين

​الأرملة "نورا".. حياة "مع وقف التنفيذ" بانتظار "توقيع السلطة"

...
صورة أرشيفية
غزة/ نور الدين صالح:

في غضون لحظات قصيرة، انقلبت حياة نورا أبو كلوب (45 عامًا) إلى "السواد" حينما فقدت زوجها رفيق، تاركًا لها حملًا ثقيلًا عائلته المكونة من ثمانية أطفال، لتكابد صعوبة الأوضاع المعيشية، وتحاول توفير "اللقمة" الكريمة.

تفاصيل الحياة قد تكون قاسية حين يكون رب الأسرة موجودًا، فكيف الحال حين يغيب "سند البيت"؟!، كيف ستواجه الأم وحدها قسوة الحياة "بلا مُعيل"، لتسد رمق عائلتها الكبيرة، مع غياب دور السلطة ومنظمة التحرير في رعاية عوائل الشهداء؟!

22 تموز (يوليو) 2014م كان تاريخًا قاسيًا على العائلة التي تقطن في بيت حانون شمال القطاع، حينما أطلقت طائرة إسرائيلية حربية دون طيار صاروخًا غادرًا، استقر في السيارة التي يستقلها رفيق (زوج نورا) برفقة ابنه الأكبر محمد الذي يقودها.

"كانوا يقطنون في منزلٍ بسيطٍ بمنطقة "عزبة بيت حانون" منذ سنوات طويلة إلى أن جاء عدوان الاحتلال في 2014"؛ وفق ما تقص أبو كلوب لصحيفة "فلسطين".

لم يعد لدى العائلة متسع للبقاء في المنزل من "هول القصف"، فاضطرت نورا إلى اللجوء لمنزل شقيقتها في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، بعد أن قصف الاحتلال منزلًا بجوارهم وهاجر سكان العزبة، لكنّ زوجها وأكبر أولادها أصرّا على البقاء في المنزل.

وتضيف: "اتصل بي وقال لي: (الوضع مخيف في العزبة)"، كان هذا ما قاله الشهيد رفيق حين هاتَف زوجته؛ ما دفعه أن يبيت معهم في منزل أختها، وفي صباح اليوم التالي أخبرها أنه سيذهب إلى العزبة ليقوم بواجب العزاء لصديقه باستشهاد ابنة أخيه.

استقل الشهيد رفيق سيارته مع ابنه محمد، وفي حديثٍ لهم وكأن إحساسًا تسلل لنفسه في تلك اللحظة أخبره أن الشهادة تقترب منه، قال محمد لأبيه: "إنه من الخطر خروجنا في هذا الوقت"، ليرد عليه: "لو رحت على الشهادة بتيجي معي؟"، فما كان منه إلا أن أكد ذلك مُجيبًا بـ: "آه يابا".

لم يمضِ وقت طويل على الحوار، حتى قصفت الطائرة الحربية دون طيار، السيارة، فصعدت روح رفيق إلى السماء، وأُصيب ابنه محمد إصابة بالغة دفعته للهرولة بجسده الذي شبّت به النيران، أملًا أن ينقذ نفسه، فكان له ذلك، لكنّ آثارها كانت قاسية، حيث أفقدته حاسة السمع.

كالصاعقة وقع الخبر على "نورا"، التي ستمضي بعد ذلك في مواجهة تفاصيل الحياة القاسية التي كان يرافقها بها زوجها، فمنذ تاريخ الاستشهاد حتى يومنا هذا مرّت بمحطات صعبة، لكنّها حاولت -ولا تزال- اجتيازها.

حرمان من الدراسة

من أبرز المحطات التي استحضرتها نورا خلال حديثها أن ابنها الثاني محمود ترك الجامعة لعدم تمكنه من تسديد الرسوم، علمًا بأنه لم يتبقَ له سوى سنة دراسية واحدة، حالة من الصمت انتابت "الأُم" ثم ابتلعت ريقها، لتقول: "لم يتبق لي سوى الفتات مقارنة باحتياجات أسرتي".

احتبست الكلمات في حنجرتها وانخفض صوتها، ثم لم تجد سوى كلمة "يا رب" لتخفف من أوجاع التعب ومصاعب الحياة، فاستحضرت موقفًا لطفلها ساجد حينما قال لها قبيل بدء العام الدراسي: "لو أبويا موجود كان كساني للمدرسة".

انتقلت نورا إلى محطة أخرى من التعب، ألا وهي حين قدوم العيد الذي يُضفي الفرح والسرور على تفاصيل الأطفال، وهو ما لم يكن كذلك مع أبناء الشهيد رفيق الذين ينطلقون لزيارة قبر والدهم دون ارتداء ملابس العيد، ليشكوا له الهم والتعب من بعده.

أما كلمتها الأخيرة فكانت تُطالب فيها السلطة في رام الله ومنظمة التحرير بتخصيص راتب شهيد للأسرة لتتمكن من إعالتها.

وتشارك نورا في الاعتصام الأسبوعي لأهالي شهداء وجرحى عدوان الاحتلال 2014م، أمام مقر مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير، للمطالبة بصرف مستحقات زوجها.

وتنتظر نحو 1943 عائلة شهيد من أهالي شهداء عدوان 2014م توقيع رئيس السلطة محمود عباس قرار يقضي بصرف رواتبهم المستحقة، التي كفلتها اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير.

وتفرض السلطة منذ آذار (مارس) 2017م إجراءات عقابية على قطاع غزة شملت الخصم من رواتب موظفي السلطة فيه، وإحالة الآلاف إلى التقاعد القسري، ومست قطاعات حيوية كالكهرباء والأدوية والمستلزمات الطبية.