ونحن نشاهد المجزرة التي يرتكبها "فيسبوك" بحق صفحات عربية مهمة، أو نشطاء معروفين، لا يمكن أن نتجاهل قوة هذا الموقع، لكن في الوقت نفسه من الكارثة الاستسلام إلى أحكامه، وعدم التمرّد على إرادته، لأنها إرادة أصبحت تتطابق بنسبة 95 بالمائة مع مطالب الاحتلال، كما يقول الصهاينة أنفسهم.
منذ أن افتتح فيسبوك مكتبه في الكيان الصهيوني عام 2013، والانحياز لهذا الكيان بدا واضحاً، لكن تحوّل إلى ما يشبه الرضوخ بعد انتفاضة القدس عام 2015، وصولاً إلى الانصياع الكامل مؤخراً.
وكان جلياً منذ البداية أن القضية أكبر من افتتاح مكتب للشركة، فكانت الاستثمارات الهائلة، والشراكات الواسعة مع الشركات التقنية الإسرائيلية، بحيث قد بدا الأمر وكأنه شراكة واعدة، الأمر الذي استغلته الحكومة الإسرائيلية والتقنيون الإسرائيليون للسيطرة على المضمون.
وقد أدرك الاحتلال مبكراً أهمية فيسبوك، فعدا عن آلاف العاملين في هذا الموقع لصالح الاحتلال، وتزييف الحقائق، وتحقيق الاختراقات، شن الاحتلال في عام 2015 حملة شرسة على بعض مضامين فيسبوك. وقد عدّ، وقتها، نتنياهو ووزيرا حربه وأمنه الداخلي موشيه يعلون ويغآل أردان فيسبوك "أهم مصادر التحريض التي تدفع الفلسطينيين للانخراط في عمليات الطعن بالسكاكين". وقد قرروا تشكيل خلية عمل يشارك فيها ممثلون عن وحدات الحوسبة في هذه الأجهزة لتعزيز القدرة على المراقبة.
واستدل هؤلاء حينها بتأثير ما كتبه الشهيد مهند حلبي في صفحته على "فيسبوك"، والذي لاقى رواجاً واسعاً. في ذلك العام كان اعتقال 130 فلسطينياً بسبب "نشاطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي". وجرى توقيع اتفاق بين فيسبوك ومسؤولين إسرائيليين لشطب ما وصفوه بـ"المضامين التحريضية". وفي بداية عام 2018 اعترفت وزيرة القضاء الإسرائيلية أييليت شكيد أن إدارة فيسبوك استجابت لـ95 بالمائة من المطالب الإسرائيلية حول شطب المضمون.
وفي الأشهر الأخيرة ازدادت رقابة فيسبوك، ومعها حظر الصفحات، الأمر الذي طرح ضرورة البحث عن بديل إن لم تُعد فيسبوك حساباتها من خلال تمتع المستخدمين بهامش واسع من الحرية. بقدر ما يعكس وجود حوالي 130 مليون حساب عربي في "فيسبوك"، أهمية هذا الموقع، بقدر ما يُظهر خطورته. فهو من خلال هذا الجمهور الواسع ربما يستطيع أن يؤثّر على قطاعات واسعة، ويتحكّم، إلى حدّ ما، بالتغيير السياسي، والواقع الاجتماعي، وصناعة النجوم.
وقد أثبت هذا الموقع مراراً أنه لا يهتم كثيراً بالخصوصية. من هنا فلا بد من التفكير جدياً بإيجاد منصات بديلة، كما فعلت روسيا والصين، وإلى حين تحقيق هذا الهدف، يجب الضغط بشكل متواصل حتى لا يكون النشطاء المناصرون للقضية الفلسطينية ضحية لتواطؤ فيسبوك مع الكيان الصهيوني.