فلسطين أون لاين

​من إدارة الحياة إلى قيادتها

قديمًا قالوا الوقت هو الحياة، وكلما انقضى يوم من حياتنا انقضى بعض منا، فالوقت قيمة ما تبقى من حياتنا، وصحيح أن الحياة هي مجموعة الأنشطة والمهام والإجراءات التي نعيشها يوميًّا، لكن إدارتها هي متابعة تلك الأنشطة ووضعها في إطار زمني، وتنظيمها وفق معايير وضوابط أصيلة لتحقيق أهدافنا القريبة والبعيدة، فإدارة الوقت هو إدارة الحياة، ويكتسب الوقت قيمته وأهميته من قيمة حياتنا وأهميتها على مستوى الفرد والجماعة، كما يكتسب الوقت أهميته من قيمة الأيام والأشهر، فرمضان مثلًا أوقاته وأيامه توزن بميزان مختلف عن سائر الأيام والمناسبات، ففيه تكثر الخيرات والطاعات وتتضاعف الحسنات، فقيمة الوقت تختلف والنتائج والمخرجات لا حد لها، والحقيقة أن مناسباتنا كثيرة وأيامنا متعددة، لكن تحتاج إلى توجيه البوصلة إلى اتجاها الصحيح لتضبط الاتجاه مجددًا.

هكذا هي الحياة محطات ومحطات، وجميل أن تدار الحياة وتستثمر، لكن الأجمل هو الانتقال من إدارة الحياة إلى قيادتها، انتقال من تفاصيل جسد إلى سمو روح، انتقال من إشباع لرغبات وحاجات دنيوية جسدية إلى التحليق بالروح عاليًا في أجواء ملائكية، فالقيادة إشباع الحاجات والموازنة بينها، فيشبع الروح والجسد بحاجاته الأربع (حاجات روحية، وحاجات عقلية، وحاجات مادية، وحاجات اجتماعية) فمنع الطعام والشراب وتنظيم تناولهما هو إعمال للعقل ومنحه فرصة كبيرة ليعمل في أحسن حالاته، وبالتواصل الاجتماعي مع الأهل والأحباب تزدهر وتسمو قدراته، وعن غذاء الروح حدث ولا حرج، ففي إشباعها تتصل بالمولى (عز وجل) دون انقطاع، فإدارة الحياة في فهمها الحقيقي هي إشباع للحاجات الأربع، بل إنه الانتقال من عيش الأيام ودفعها للوراء إلى تحقيق الإشباع للروح ومتعة الجسد، فقيادة الحياة أسلوب يجب أن يفقهه كثيرون.

فيا لروعة الاختيار الإلهي!، فحرمان الجسد هو عين إشباعه، والتوازن في إشباع تلك الحاجات لا يكون في أبهى صوره إلا في شخصية متزنة قيادية النزعة، وقائية التوجه، ذات همة مشحوذة، تخلص من فضلات الأيام وعبء الطريق، إنه الانتقال من الإدارة الذاتية ومشكلات الحياة اليومية إلى قيادة الذات نحو استثمار الفرصة والخروج من دائرة المشكلة والضياع في تفاصيلها إلى رؤية المشكلة من خارجها والسيطرة عليها، أملًا في تحقيق مرضاة الله وبلوغ جنته بصحبة الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولنعد ترتيب أولوياتنا من المهم إلى الأهم، ومن الغالي إلى الأغلى، ومن الجيد إلى الأجود، ولننتقل من مربع الخداع (مربع غير المهم وغير العاجل) إلى مربع الإنتاج والنجاح(مربع المهم والعاجل).

فانطلق -عزيزي القارئ- واستثمر الفرصة الحقيقية للانتقال من إدارة الحياة اليومية بروتينها إلى قيادتها باستعادة توجيه البوصلة لفهم أعمق وتوظيف أدق لمعاني الأشياء، فقيادة الحياة أن تجعل لنفسك هدفًا، بأنشطة ترضي الله وتصل بك إلى بر الأمان.