أكد مختصان في الشأن المقدسي أن استمرار سياسة الاحتلال في إجبار المقدسيين على هدم منازلهم يهدف بالأساس إلى تفريغ المدينة من الوجود الفلسطيني، مشيرين إلى أن معاناة المقدسيين مشكلة هدم الاحتلال المنازل مستمرة منذ سنوات طويلة.
وذكر المختصان أن قوات الاحتلال تمارس التخويف والترهيب بحق سكان المنازل المهددة بالهدم في القدس، حيث تخيرهم إما أن يقوموا بهدم بيوتهم بأيديهم، وإما أن تجرفها بالكامل، وتجبرهم على دفع مئات آلاف الشواقل تكلفة عملية الهدم.
وكانت بلدية الاحتلال في القدس أجبرت، أمس، المواطن المقدسي مفيد علقم على هدم منزله الكائن في بيت حنينا شمال القدس المحتلة ذاتيًا، بعد ملاحقة استمرت 7 سنوات، حيث تم تهديده بالسجن ودفع غرامات مالية عالية.
وقال الموطن علقم في تصريحات صحفية، إنه اضطر لهدم بيته بنفسه ليرتاح من ضغط موظفي البلدية، مؤكدا أنه تعب جدًّا من الملاحقات التي تواصلت لمدة سبع سنوات تحولت فيها حياته إلى خوف وقلق من حضور الجرافات وهدم المنزل في أي لحظة، لافتًا إلى أنّه اضطر إلى تفريغ المنزل ثلاث مرات، بعد تلقيه إخطارات هدم.
وأوضح أنّه دفع لبلدية الاحتلال بالقدس مخالفة بناء بقيمة (40) ألف شيقل؛ بحجة البناء دون ترخيص، عدا عن دفعه آلاف الشواقل للمحكمة والمهندسين والمحامين، في كل مرة يتم فيها تمديد قرار الهدم.
وأوضح أنه بنى المنزل في بيت حنينا في عام 2012، وتبلغ مساحته 135 مترًا مربعًا، ومكون من 4 غرف وصالة ومطبخ وحمامين، ويقطن فيه مع زوجته و4 أولاد وبنت، أكبرهم عمره 24 عامًا وأصغرهم 8 أعوام.
رسالة ترهيب
بدوره، أكد المختص في الشأن المقدسي ناصر الهدمي أن سياسة إجبار المقدسيين على هدم منازلهم تهدف لإرسال رسالة ترهيب وتخويف للمقدسيين بأن معول الهدم قادم وأن عملية التهجير لن تتوقف، وعليه فإن الفلسطيني غير مرحب به في المدينة ويجب أن يفكر في تركها قبل أن يصله سكين الهدم وبالتالي سيخسر ماديًّا ونفسيًّا.
ولفت الهدمي لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الاحتلال يوصل المقدسيين إلى هذه المرحلة حينما يعقد إجراءات إعطاء تراخيص البناء بشكل كبير عبر شروط وتكاليف لا يستطيع المقدسيون توفيرها.
وأوضح أن المواطن المقدسي يصبح مضطرا إزاء هذه التعقيدات إلى البناء دون ترخيص في بعض الحالات ويظل منتظرا للقرار الإسرائيلي بهدمه في أي لحظة، لافتا إلى أن هذا الأمر مرهق ماديا ونفسيا للمقدسيين وعائلاتهم.
وشدد الهدمي على الهدم الذاتي للمنازل يترك ندوبا نفسية وتداعيات اقتصادية واجتماعية على المقدسيين، موضحا أن كثيرا منهم ربما باع حلي ومجوهرات زوجته أو سحب كل مدخراته من عمله أو استدان من أجل بناء منزل يؤويه وأسرته ثم يجده ركاما بين ليلة وضحاها وبيده هو لا بيد الاحتلال.
وأشار إلى أن الاحتلال يتعمد أحيانا إطالة فترة الإنذار بالهدم للمقدسيين من أجل مراكمة الغرامات المالية الباهظة، ثم يصدر في وقت لاحق أمرًا تنفيذيًّا بهدم المنزل أو العقار على أن يفعل المقدسي ذلك بنفسه.
وبيّن أن الاحتلال يهدف عبر أوامر الهدم لتوفير مساحات جغرافية فارغة لتوسيع الوجود الاستيطاني في القدس ومحيطها من ناحية، والتخلص من المقدسيين وطردهم خارج حدود المدينة، ولتعديل الميزان الديموغرافي لصالح اليهود من الناحية الأخرى.
وطالب الهدمي جميع الفعاليات الرسمية والشعبية بالتصدي شعبيًّا لما يجري من علميات هدم لمنازل المقدسيين، إضافة إلى تفعيل الآليات السياسية والقانونية من خلال العمل الفلسطينيوالعربي والدولي المشترك سعيًا لحماية المقدسيين من غول التهجير.
سبل المواجهة
من جهته، أكد الباحث في شؤون مدينة القدس محمد الجلاد، أن الاحتلال يستمر كل صباح بممارسة أساليبه المعتادة للتنكيل بالمقدسيين.
وذكر الجلاد لصحيفة "فلسطين"، أن هدم المنازل ذاتيًّا هو أصعب ما يمر به المقدسي من تجربة مع الاحتلال، فآثار التجربة تنعكس على العائلة والمحيط الأسري وليس على صاحب المنزل وحده.
وأوضح أن الاحتلال يضيف بشكل يومي تعقيدات وتكاليف جديدة على البناء ما يضطر المقدسيون إلى البناء بدون ترخيص، ويستغل الاحتلال هذا البناء غير المرخص من أجل تغريم المقدسيين آلاف الشواقل لاستنزافهم ماديًّا ثم إصدار أمر بهدم المنزل من أجل قهره معنويًّا.
وذكر الجلاد أن جريمة الهدم الذاتي لا تقتصر على المنازل، بل تطال ورشًا وأماكن للعمل يقتات أصحابها منها، الأمر الذي يضع المقدسي أمام واقع مؤلم يتمثل في فقدانه مصدر دخله وبالتالي هجرة المدينة بحثًا عن مصدر دخل جديد.
وأكد أن ما يفعله الاحتلال في القدس لا يمكن السكوت عنه أو التسليم به، لافتًا إلى أن الاحتلال يتوهم بأن المقدسيين يمكن أن تردعهم الإجراءات العقابية.
وشدد على أن مواجهة الظاهرة المؤلمة للمقدسيين يتمثل أولًا بتفعيل المبادرات الأهلية داخل فلسطين وخارجها، بحيث تقوم هذ المبادرات بتوفير دعم مادي لإسناد المقدسيين وإعادة بناء منازلهم.
وثاني تلك الخطوات -بحسب الجلاد- يتمثل في العمل الفردي عبر دفع زكاة المال من الأغنياء المسلمين والعرب إلى المقدسيين من أجل إعانتهم على تكاليف حياتهم وإمدادهم بأسباب الصبر والصمود على أرضهم.
كما طالب بمجابهة هذا السلوك الإسرائيلي عبر مخاطبة المؤسسات الدولية والقانونية عبر رفع دعوى دولية لوقف جريمة هدم منازل المقدسيين.