موسم الزيتون، برائحته الطيبة التي تنعش الروح، وبعمق وعبق التاريخ، له رمزية خاصة تجسد رقي وقوة الحق الفلسطيني، وسمو قيمه السامية فوق هذه الأرض، منذ آلاف السنين، فلماذا يا ترى تنغص فرحة قدومه كل موسم، وتتحول الفرحة والبهجة إلى حزن وحيرة؟!
ألا يقطر المستوطنون غيظًا، وهم يرون من أعالي الجبال الاستيطانية موسم الزيتون، عرسًا فلسطينيًّا خالصًا، تقطف فيه ثمار الزيتون في لوحة فنية رائعة، وتراثية جميلة، وعراقة ليس لها نظير، تنغص عليهم مزاعمهم وتدحضها، في مقاومة صامتة لحقول الزيتون المنتشرة في الجبال.
حكاية لا تنسى تتداول عبر التاريخ، حبات العرق الجميلة التي تنزل كقطرات الندى على جبين مزارعي الضفة، تختلط مع تراب الأرض الطيبة الطاهرة، ليأتي مستوطن ويحولها إلى دماء، بالاعتداء على المزارعين وهم في حقولهم خلال عملية قطف ثمار الزيتون.
تجمع الأطياف السياسية للشعب الفلسطيني كافة على حماية شجرة الزيتون، فحركة فتح وحركة حماس تدعوان لمقاومة الاحتلال بدعم موسم الزيتون، وما أثير عن استيراد ثمار الزيتون شكل صدمة، لكونه يخالف ما تعارفت وتتفق عليه قوى الشعب وتجمع عليه.
من دافع عن استيراد الزيتون من الاتحاد وغيره؛ كان دفاعه باهتًا وغير مقنع، وزاد من غضب الشارع، وزاد الطية بلة، ولننظر إلى دولة الاحتلال كيف تحمي منتجاتها الزراعية مع أنها مسلوبة من شعب مسالم يرنو إلى الحرية.
"يا فرحة ما تمت" لسان حال المزارعين بقدوم موسم الزيتون، ففي الوقت الذي عمت فيه الفرحة والسرور بقدومه إذا الفرحة ينغصها الاستيراد.
لوثات، وهرطقات، وفبركات، هي فتاوى دينية يهودية جاهزة يدعمها التحريف الذي حدث في التوراة قديمًا، من أن أرض "الأغيار" يجوز حرقها ونهبها تقربًا إلى الله، فإن عملية التخريب والتدمير جزء أصيل من نفسيتهم المريضة والمعتوهة إلى أبعد الحدود، بدين في الأصل هو براء من التخريب والتدمير.
في كل موسم الزيتون -ونحن في عام 2019م- يتسابق المستوطنون إلى حرب مبكرة على شجرة الزيتون، بالقطع أو التجريف أو السرقة أو المنع من القطاف، خاصة الأراضي خلف الجدار.
لا يوجد للمستوطنين على هذه الأرض سوى البطش والقوة الظالمة، التي هي إلى زوال عما قريب، كما زال غيرها من قوى الظلم والاحتلال عبر التاريخ، وهو ما يعرفه حق المعرفة قادة ومفكرو دولة الاحتلال، ولكنهم يكابرون.
لن تتوقف اعتداءات المستوطنين، واستهداف شجرة الزيتون، التي ستبقى تقاوم ... وتقاوم، فقلع أشجار الزيتون، وتقطيع أغصان عشرات أشجار الزيتون، ومنع مزارعين من قطف أشجار الزيتون، والوصول لها، أو منع تصاريح لقطف الزيتون، وجرح وضرب وطرد مزارعين من حقولهم خلال عملية قطف الزيتون؛ كلها أخبار شبه يومية تتناقلها الآن، أو ستتناقلها وسائل الإعلام المختلفة في الموسم الحالي الذي بات قاب قوسين أو أدنى.
كل موسم زيتون أتذكر إباحة الحاخامان "يتسحاق شابيرا"، و"يوسف يرمياهو إليتسور" في كتابهما "عقيدة الملك"، قتل الأغيار (أي غير اليهود)، في الظروف التي تسمح فيها الشريعة اليهودية بقتلهم، في أوقات السلم أو الحرب، وانطلاقًا من الحرص على إقامة الفرائض السبع، إنه لا يوجد ما يمنع ذلك، وما كان أقل من القتل يعد لعبًا على شاكلة تخريب موسم الزيتون أو سرقة ثماره، كما حصل قبل أيام.
--