رأى محللان سياسيان أن جهد الفصائل الفلسطينية المبذول في صوغ رؤية إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام هو خطوة في الاتجاه الصحيح وإن كانت متأخرة بعض الشيء، مؤكدا أن تلك الخطوة يجب أن تؤسس لخطوات لاحقة للضغط على الطرف المعطل للمصالحة وإجباره سياسيا على التعاطي مع المبادرة المقدمة لحركتي فتح وحماس.
وكانت 8 من الفصائل الفلسطينية، قدمت، مبادرة إنهاء الانقسام الفلسطيني، حيث وافقت حركة حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، دون شروط، بينما لم تقدم فتح حتى اللحظة أي رد إيجابي بهذا الخصوص.
ووفق ما أعلنته الفصائل في حينه، فإن المبادرة تعتمد على أربعة قضايا، وهي، أولًا، مرجعية إنهاء الانقسام هي الاتفاقيات الموقعة من عام 2005 وحتى 2017 سواء بالقاهرة أو بيروت، وثانيًا، اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير في القاهرة بحضور محمود عباس والأمناء العامين، وثالثا، تبدأ المرحلة الانتقالية للرؤية من شهر أكتوبر 2019 وحتى يوليو 2020".
ويتم خلال الفترة الانتقالية التي تستمر لعام، وقف كافة التصريحات التوتيرية من حماس وفتح، ورفع الإجراءات الانتقامية التي فرضتها السلطة على قطاع غزة، وإنهاء ملف الاعتقال السياسي والملاحقات والاستدعاءات.
والقضية الرابعة هي أن يكون على جدول أعمال اجتماع الإطار القيادي المؤقت في القاهرة، البحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية مهامها التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، والاتفاق على آلية الاستلام والتسليم، ومناقشة مهام الحكومة، ومناقشة توحيد النظم الانتخابية للمجلسين التشريعي والوطني، والاتفاق على برنامج وطني بقواسم مشتركة بين الكل الفلسطيني، والاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منتصف عام 2020.
وأكد المحلل السياسي ساري عرابي أن دور الفصائل الفلسطينية داخليًا بخلاف حركتي فتح وحماس قد شهد تراجعا كبير وتآكلا في الرصيد خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى أن هذا الغياب سبب ضررًا للمشهد الفلسطيني الداخلي بشكل عام.
ولفت في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن أهم أسباب تراجع دور الفصائل هو عدم قدرتها على كسر ثنائية حماس وفتح، فالأولى تستند إلى رصيد من المقاومة والحاضنة البرلمانية والشعبية لها، بينما تتسلح الثانية بقوة السلطة في الضفة الغربية والإمساك بتلابيب القرار السياسي الرسمي الفلسطيني.
وأشار عرابي إلى أن انطلاق مبادرة الفصائل من قطاع غزة يكشف معيارا واضحا للحكم على فرق المساحة الممنوحة لممارسة العمل السياسي بين الضفة وغزة، حيث يتبدى جليا أنها أوسع وأرحب في قطاع غزة عنها في الضفة الغربية.
وأكد أن تصدي تلك الفصائل لهذا الجهد القوي لناحية توحيد الموقف الفلسطيني هو خطوة جيدة ينبغي البناء عليها لاحقا عبر رسم الخطوة القادمة للفصائل في حال سارت الأمور كما تشتهي أو تعثرت برفض فتح لمبادرة المصالحة.
وذكر عرابي أن تحدي إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة هو تحدٍّ قوي في ظل افرازات الانقسام من اختلاف حاد في الرؤى السياسية، وأيضا وصولا الى تسلل الانقسام السياسي الى حيز الجغرافيا بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وشدد على أن الفصائل قادرة إلى حد كبير على ردم الهوة بين حركتي حماس وفتح، معتبرا أن هذ المقدرة مرهونة بإرادة طرفي الانقسام، وبما تستطيع الفصائل أن تمارسه من ضغط حقيقي على الطرفين من أجل الخروج من هذه الحالة المسيئة لنضال الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن هذا الضغط يجب أن يكون محكوما للأمانة الوطنية من ناحية عدم الخشية من اعلان هوية الطرف المعطل لإنهاء الانقسام، منوهًا الى أن حماس أرسلت إشارات ايجابية عبر الموافقة على المبادرة، وهي بذلك تريد أن تقفز من سفينة الاتهام بالتسبب بتأخير أمد الانقسام وتغذيته.
وأوضح عرابي أن خطوة الفصائل اللاحقة لا يجب ان تكون استفزازا أو تسجيلا لمواقف بين الأطراف، مشيرا إلى أنه يمكن للفصائل أن تعلن عن الطرف المعطل من أجل الضغط عليه ولكن ليس بشكل فج تضيع به كل جهودها سدى.
من ناحيته، اكد المحلل السياسي محمد حمادة، أن مفاعيل ما قدمته الفصائل من مبادرة لإنهاء الانقسام تجعل من الظلم وصفها بأنها فصائل "ديكتاتورية" في الوقت الحالي، مشيرا الى أنه في المقابل فإن دور تلك لفصائل كان يتسم بالضعف الشديد فيما مضى.
ولفت في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن تحرك الفصائل الثمانية لم يكن من فراغ، وإنما كان تتويجا لما تم البناء عليه من تجسيد لوحدة حال الموقف الفلسطيني في مسيرات العودة، والتي شهدت انخراط الكل الفلسطيني فيها بما في ذلك حركتا حماس وفتح، وإن كانت الأخيرة شاركت عبر عناصرها ودون توجيه واضح من قيادتها.
وشدد حمادة على أن المهم بالنسبة للفصائل ليس ما حققته عبر صوغ المبادرة وعرضها على حركتي حماس وفتح، وإنما ينتظرها جهد أكبر لتشكيل حالة ضاغطة على الحركتين من أجل القبول بالمبادرة والبدء فورا في تطبيق كافة بنودها.
وأوضح أن حركة حماس فهمت المطلوب منها وطنيا منذ الاسبوع الأول وقامت بإعطاء موافقتها غير المشروطة على الرؤية رغم وجود بعض الملاحظات، وهو ما يضع الفصائل أمام اختبار الضغط سياسا وشعبيا على حركة فتح للقبول بها أسوة بحركة حماس.
لكن حمادة أشار إلى أن الضغط على حركة فتح ليس بالأمر الهيَّن أو السهل، لافتا إلى أن رئيس السلطة محمود عباس ما يزال مسكونًا بفكرة أنه في موقع القوة وأن المصالح مع حماس هي تنازل سياسي لا يرغب بفعله حقا.
ونوه إلى أنه برغم عدم وجود أوراق قوة للفصائل من أجل الضغط على فتح وعباس، إلا أنه مع مرور الوقت فإن تلك الفصائل تستطيع أن تبلور موقفها الوطني الواضح بناء على متغير الموقف الفتحاوي، وهو موقف سيكون له ارتداداته في حينه.