فلسطين أون لاين

​كن قائدًا

القيادة فن توجيه العقول وإعادة بناء النفوس، وقدرة فائقة على تجميع الهمم والتغيير إلى الأفضل والتأثير، فالقائد بصمته على الأتباع والأفراد لتقويم النفس وتهذيبها، وإعادة بناء الشخصية السوية المتكاملة، هذه الشخصية القيادية ظهرت جليًّا في شخصية القائد حبيبنا محمد (صلَّى الله عليه وسلم) إذ كان يقول: "أنا قائد المُرسلين ولا فخر"، فمصطلح القيادة مصطلح أصيل في ديننا، واقتداء بسيرة الحبيب، ويؤكده قول الله (تعالى): "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الأحزاب -21).

وعليه لا يكون التأثير إلا لقادة ذوي كاريزما باهرة وشخصية مؤثرة، فالقيادة فن التأثير والقدرة على تغيير العقول والنفوس، وتعيد البوصلة إلى اتجاهها السليم، ليكون العمل في مصبه الصحيح، وكما يقول الفيلسوف ديفيد تورت: "لا يكفي أن تكون كادحًا؛ فالنمل أشد كدحًا، ولكن المهم ما الذي تكدح من أجله"، ونحن المسلمين لدينا ما نكدح من أجله ونبذل كل الجهد، فروحنا رخيصة من أجل رفعة ديننا وصمود وطننا وإعلاء راية المسلمين نحو بناء الإنسان خلف قيادة قوية وثابتة، ذات شخصية متأملة وخلاقة، صاحبة نظرة غير مألوفة إلى الأشياء المألوفة، وقدرة على الغوص في عالم الخيال والإبداع.

فضيق العيش وقلة ما في اليد فرصة ملائمة للتفكر والتأمل الخلاق بأمعاء خاوية، تعيد القائد إلى الشعور والإحساس بالقاعدة وتابعيه، لتعيد الاتزان إلى شخصيته القيادية المتكاملة في عالم المتناقضات والفوارق غير المنطقية، والعودة إلى حضن القاعدة والأتباع ليحيا حياتهم ويشاركهم في همومهم ومتاعبهم، لنستعيد أمةً القمة الغائبة، ونتربع على عرش الأمم من جديد، بالحب والتواصل لا القوة والحديد.

صديقي القائد، ضيق العيش والحصار باب للعودة إلى الله وتعزيز الاتصال به، وتفعيل التواصل مع الأحباب والخلان هو عبادة وطريق إلى الجنة للفرد المسلم، لكن أكثر وجوبًا على الشخصية القيادية والقائد؛ فهو القدوة والأسوة الحسنة، وعيون الأتباع ترقبه وتتابع حركاته وسكناته، لذا -سيدي القائد- لا تقترف ما تنهى عنه، وكن عدلًا في أفعالك وأقوالك؛ فهي سمة أساسية في القيادة انطلاقًا من قوله (تعالى): "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" [البقرة-124]؛ فالظلم يخرج القائد من دائرة القيادة والإمامة، فاحذره -أخي القائد- في كل مكان: البيت وخارجه، والعمل الحكومي والخاص، واتق الله في نفسك وفيمن حولك، واجعل ظروفنا الصعبة نقطة عودة وانطلاق لمفاهيم قيادية سامية نابعة من سنة نبينا الكريم وتعاليم ربنا العليم، وأنا أخاطب فيكم الإنسان المسلم، والقائم لله، أن تعيدوا البوصلة نحو الكعبة شكلًا وجوهرًا، قلبًا وقالبًا، فالقادة هم البناؤون وصانعو الرجال، ورمز الأمم وصناع الأمجاد.