"عندما يكون النوم والأكل، وصعود السُّلم والاستيقاظ والتحكم في أعضاء الجسم الحيوية أمرًا صعبًا، والصلاة شاقة، فاعلم أنك عضو رغم أنفك في نادي كبار السن، الذين سقطت أسنانهم، وابيض شعرهم، وغزت الأمراض أجسامهم، ويذهبون إلى الأطباء مصطحبين مالهم بحثًا عن الصحة بعدما بحثوا مع صحتهم عن المال"، هكذا قرأت.
أتفق جدًّا مع الذي قرأته، فمع تقدم الإنسان في العمر تتسع قائمة الأمور الصعبة التي تفرض نفسها على جدول أعماله بلا حولٍ له ولا قوة، فليس كل ما يشتهيه يفعله، فالسن وضعت له ضوابط، وعليه أن يقول لها: "سمعًا وطاعة".
المتأمل في تصرفات كبار السن يجد تشابهًا كبيرًا مع تصرفات الأطفال، فالطفلُ يحتاج لمن يساعده ويشبع رغباته، وهذا يدفعه إلى سلوكيات قد تبدو مزعجة للأهل مثل البكاء، وينطبق هذا على كبار السن، فيعتقدون أن تقدمهم في العمر يفقدهم بريقهم ورونقهم لأنهم أصبحوا عبئًا وبحاجة لغيرهم، فيلجؤون إلى البكاء والصراخ، لتأكيد: "نحن هنا".
في كتابها "رحلة مع كبار السن" في الفصل الذي عنونتُ مقالي بعنوانه، تذكر "عزة عشماوي" أن عودة كبار السن أطفالًا ليست صحيحة على إطلاقها، لأنه لا يمكن إنكار الخبرات والمشاعر التي تكونت على مدى سنين، وتؤثر على مشاعرهم وتصرفاتهم، صحيح أن كبار السن يتشابهون هم والأطفال في ضعف قدراتهم الجسدية وحاجتهم لاهتمام غيرهم بهم، لكنهم يمتازون بقدرتهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وإن الأطفال يلجؤون إلى الصراخ والبكاء، لكن كبار السن يلحون ولا يسمحون بتأخير تنفيذ رغباتهم، ومنهم من يخجل من طلب شيء، ومنهم من لا يعرف كيف يطلب فيبقى حزينًا، وكلاهما يفتقد الأمان حين يختفي من حوله، وهنا يتحول الابن في حالة كبير السن إلى أمٍّ في حالة الطفل.
لكن ما واجبنا تجاه كبار السن؟، حثنا الإسلام على رعايتهم، فبتأمل آية "وبالوالدين إحسانًا" نجدها "أمرًا واجب التنفيذ"، وقرن الله (عز وجل) إياها بعبادته دليل على تعظيمه لها، ومنعنا من قول "أف" أو أي كلمة أو فعل يزعجانهم، بل جعل رضاهم بوابة لرضاه ودخول جنته، وهذه بعض واجباتنا:
احترامهم وتوقيرهم، لقول رسولنا الكريم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".
تفهم ظروفهم النفسية وتصرفاتهم، فكبير السن يتصرف انطلاقًا من أنه صاحب التجربة والرأي السديد ويجب إطاعته.
قضاء وقت معهم بلا تأفف أو تذمر، والصبر عليهم في مرضهم.
إشعارهم بمكانتهم العظيمة في نفوسنا، وبأفضالهم علينا.
ثمة مثل رائع يقول: "اسِمَع أباك وأسمِع أمك"، عليك به.
الواجبات كثيرة، وعلينا العلم أنقطار الزمن سينقلنا إلى حيث هم، وسيغير ملامحنا وسيشكلها دون إذننا، ونصبح "كبار سن"، ونتمنى ما تمناه أبو العتاهية (ألا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يومًا ... فأخبرَهُ بما فعل المَشيبُ).
بعد الذي سبق يمكن القول: نعم، يعود كبار السن أطفالًا، وهذا بتأكيد القرآن الكريم: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ" (الروم: 54)، فعلينا معرفة أنه كما تدين تدان، لذا واجبنا أن "نرفق بهم؛ فإنّهم بزمنٍ غير زمانهم".