تحمل كيسًا بلاستيكيًّا في يدها وقد أثقلته المستندات الطبية، وباليد الأخرى تمسك المسنة أم محمد حفيدها محمود (عامان)، وهما يجوبان شوارع مدينة غزة متنقلَين بين دائرة العلاج في الخارج والمؤسسات الحقوقية؛ لإيصال رسالتهما بضرورة علاجه في مستشفى "هداسا" الإسرائيلي المتخصص بجراحة العيون.
وتخبرنا المسنة أم محمد (60 عامًا) أنها تذهب كل أسبوع لدائرة العلاج بالخارج في مدينة غزة، محاولةً إقناع العاملين في الدائرة بضرورة علاج حفيدها خارج قطاع غزة، حيث يعاني مرض عدم اكتمال شبكية عيونه منذ ولادته.
وتقول لصحيفة "فلسطين": كل أسبوع يرد علينا الموظفون بأنهم سيعرضون الأمر على اللجنة الطبية في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لكن حتى اللحظة لا يوجد رد.
أحد الذين يعانون تبعات مماطلة السلطة، الشاب (أ. ش) الذي فضّل عدم ذكر اسمه، وهو مصاب بسرطان النخاع ويعيش على المسكنات، يقول لـ"فلسطين": كنت أتعالج في أحد المستشفيات الإسرائيلية وكان العلاج ناجحًا نوعا ما، ولكن دائرة العلاج بالخارج رفضت إكمال علاجي بالمستشفى نفسه، وأبلغتني بتحويلي لمستشفى داخل مدينة نابلس.
ولا يختلف حال الشاب "سامر" عن سابقه، فهو أيضا مصاب بالسرطان، وظل يتلقى العلاج بمستشفى إسرائيلي متخصص، لكن أسرته فوجئت بتوقف "التغطية المالية" التي تصدرها السلطة من أجل استكمال برنامج علاجه.
ويقول والد المريض سامر الذي كان يقف أمام الشباك يستفسر عن تحويلته، والتعب يبدو على ملامح وجهه: "نحن لا نحتاج للسفر إلى الخارج بسبب تكلفة السفر العالية، وخاصة إلى مصر".
تكلفة عالية
أما "أكرم" والد الطفل "مؤمن"، يفيد بأنه بحاجة ماسة لاستمرار تلقي العلاج في مستشفى "تل هاشومير" الإسرائيلي المتخصص بمثل حالته، حيث إنه مصاب بسرطان في النخاع، معتبرًا "قرار السلطة وقف التحويلات الطبية يعني موته في أي لحظة".
ويقول أكرم لـ"فلسطين" إنه يحاول منذ خمسة أشهر الحصول على تغطية مالية من دائرة العلاج بالخارج دون جدوى، ولا يتوافر العلاج لمثل حالة ابنه بمستشفيات غزة أو الضفة الغربية، منبهًا إلى أن الذهاب إلى مصر متعب ومكلف.
وعند تجوالنا داخل دائرة العلاج بالخارج وجدنا المواطن (م. م)، وهو يستند إلى العكاكيز وبرفقته زوجته التي تتجول بين مكاتب الدائرة لعلها تجد أذنًا صياغة تسمع مشكلتها.
وأوضحت زوجته أن دائرة التحويلات بالخارج أبلغتهم بتحويل زوجها للمستشفيات المصرية بدل الإسرائيلية، لكنها طلبت بأن تكون تحويلته إلى المستشفيات الإسرائيلية أو الضفة؛ بسبب عدم مقدرتها على السفر، عدا عن تكلفته الباهظة، لا سيما أن زوجها عاطل عن العمل ويعتاش من مخصصات الشؤون الاجتماعية.
تسويف ومماطلة
شقيقة المريض هاني الشاعر (٤٦ عامًا) من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والذي يعاني سرطان الدم "لوكيميا"، تؤكد أن أخاها توجه للسفارة الفلسطينية في القاهرة من أجل مخاطبة وزارة الصحة في رام الله خاصة دائرة العلاج بالخارج ولكنها للأسف لم تستقبل طلبه.
ولفتت إلى أنه حاول في إحدى المرات الاستعانة بكادر فتحاوي يعمل في الساحة الخارجية من أجل التدخل، فأبلغوه أنه تم إرسال الطلب للعلاج بالخارج في رام الله، إلا أنه منذ شهر والتسويف والمماطلة سيدة الموقف في ظل تدهور وضعه الصحي الذي يزداد سوءًا.
وتقول شقيقة المريض، إن أخاها متزوج ولديه ٥ أبناء، وبالكاد راتبه يكفيه كمصروف على أسرته.
الباحث في وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني طالب السلطة في رام الله بضرورة توفير بدائل للعلاج مثل تركيا والأردن، معللًا ذلك بأن العلاج في مستشفيات مصر مرهق للمواطن ماديًا وجسديًا.
ولفت المزيني لـ"فلسطين" إلى أن حاجز بيت حانون (إيرز) شمال القطاع، يعد فخًّا يستخدمه الاحتلال لاعتقال المواطنين، وخاصة المرضى، مشيرًا إلى أن 50% من الطلبات المقدمة للموافقة على تصاريح المرضى مرفوضة.
وأعرب عن قلقه على حياة المرضى الذين أوقفت السلطة تحويلاتهم للعلاج بالمستشفيات الإسرائيلية، مناشدًا إياها لضرورة معالجة أزمة التحويلات العلاجية بالمستشفيات الإسرائيلية.