أثارت الموافقة الإسرائيلية على بناء مستشفى ميداني بإشراف أمريكي شمال قطاع غزة حالة من الجدل الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً أن المستشفى أقرب إلى (إسرائيل) منه إلى قطاع غزة، ما يثير مخاوف أمنية لدى الكثير من المواطنين القاطنين في القطاع، فهل المستشفى أتى استجابة لحاجة إنسانية يعاني منها القطاع منذُ سنوات كثُر، أم لهُ أبعاد أمنية في محاولة من (إسرائيل) لتعويض عجزها الاستخباري في القطاع؟
فالفلسطينيون في قطاع غزة يعانون الأمرين في الحصول على علاجهم وانتظار الموافقة على التحويلات الخارجية إلى الأراضي المحتلة والدول العربية والأوروبية، وبعد انتظار دام عقودا سيُشيد لهم مستشفى سيُعد الأضخم على مستوى قطاع غزة، بمساحته الكبيرة وتخصصاته المتنوعة التي تعد الأكثر حاجةً للقطاع بفعل الوضع الصحي الذي يرثى لهُ، فهل سيكون المستشفى الميداني الأمريكي بداية النهاية لأزمة التحويلات الطبية؟ فأي مشروع من قبل أي مؤسسة أمريكية يجب أن يأخذ الرضا من البيت الأبيض بواشنطن، أم أن هناك أمرا لا يعلمه الفلسطيني سيندم عليه بعد فوات الأوان؟
قررت منظمة "سفن الصداقة" الأمريكية نقل المستشفى الميداني الأمريكي بعد أن كان على حدود دولة سوريا، الذي كان يخدم في مناطق نفوذ قوات المقاتلين ضد النظام في سوريا، أن تكون وجهته منطقة الشرق الأوسط، فكان قطاع غزة هو الخيار الوحيد للمنظمة، فتم نقل وترحيل المستشفى مروراً بالجولان المحتلة حتى وصل إلى حاجز إيرز الفاصل بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة، فالمستشفى الميداني الذي سوف يقام على مساحة 40 دونما بالقرب من منطقة 5/5 الواقعة بجوار معبر إيرز شمال قطاع غزة، الذي سيشغل قرابة 250 طبيباً في 17 تخصصا من مختلف التخصصات الأكثر احتياجا للقطاع، حيث ستصل القدرة العلاجية 500 حالة يومياً ، ولكن وافقت الجهات الإسرائيلية على دخول الطواقم الطبية والفنية والهندسية على مسؤوليتهم الشخصية، بسبب تصنيف قطاع غزة منطقة خطرة ، فكان القرار من منظمة "سفن الصداقة " من اللازم أن يقام المستشفى في منطقة قريبة جداً من الحدود الشمالية للقطاع، في إطار الإجراءات الأمنية للكادر الطبي الأمريكي .
وافقت الفصائل الفلسطينية على تشييد المستشفى الميداني في إطار تفاهمات كسر الحصار التي أبرمت في أبريل 2019، لأنها سوف تشكل بديلاً عن التحويلات الطبية الخارجية، وحماية للمواطنين من التأخير في تلقي العلاج من الجانبين المصري والإسرائيلي، وخاصة الابتزاز الذي يتعرض له المواطنون على المعابر، نتيجة تقليص السلطة موازنات التحويلات الطبية من القطاع للخارج. إدارة المستشفى سوف تتم بشكل كامل من خلال طاقم إداري فلسطيني، بالإضافة لأطباء أمريكيين ومتطوعين من جميع أنحاء العالم للخدمة في المستشفى. قدم الاحتلال عرضاً للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على أن يقام المستشفى الميداني داخل الأراضي المحتلة عام 1948م ، فالرفض كان سيد القرار، فطلب الأمريكيون توفير خروج ودخول آمنين منه وإليه في أي وضع للطوارئ. الإدارة الأمنية للمستشفى ستكون من صلاحيات الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة وتأمينها من ضمن المهام الموكلة لها، أما العلاج في المستشفى فله شأنٌ آخر، سيتم عبر تحويلة رسمية من وزارة الصحة في القطاع ويمنع ذهاب المرضى فرديا دون تنسيق ، ووفق مختصين سيراعى تحذير كل من لهُ علاقة بالمقاومة الفلسطينية من الذهاب لتلقي العلاج في المستشفى إمعاناً في الحيطة والحذر .
فالمعلومات الظاهرة أن المتابعة الأمنية تحت إشراف وزارة الداخلية بغزة، وهذا قد يطمئن السكان من الناحية الأمنية، لكن يبقى السؤال: هل سيضع المستشفى حدًّا للمشاكل الصحية والعلاجية التي تراكمت منذُ 13 عاماً وأدت إلى وفاة أكثر من 450 إنساناً نتيجة نقص الدواء والعلاج ؟
فغزة التي لها تجارب وحكايات مع العمليات الأمنية المعقدة، فالاحتلال أصبح مدركاً أن أي أعمال استخباراتية في غزة سيتبعها الفشل، فحد السيف وأمناء المقاومة وغيرها التي لم تُكشف بعد شاهد على فقدان جيش الاحتلال الذي يعد الأقوى في الشرق الأوسط هيبته أمام غزة، فهل نحنُ أمام صراع استخباراتي أمني جديد؟