الاحتلال الصهيوني لا زال يمارس أبشع أنواع طمس الهوية الفلسطينية للفلسطينيين وبشكل خاص للمقدسيين، فالمدينة المقدسة يجري بها الاحتلال أكبر عملية هدم في تاريخها منذُ عام 1967م، ففي المرحلة الأولى هدم الاحتلال 100 بيت فلسطيني لسكانٍ يقطنون بحي وادي الحمص في صور باهر بالقدس المحتلة، تمهيدا منه لهدم 255 بيتا آخر في كل المراحل القادمة من الجريمة الممنهجة.
الاحتلال المتغطرس في الأرض الفلسطينية ما زال يسرق تعب وجهد السنين الطوال لأهالي المدينة، ويُرغم أهلها على الخروج قسرًا من أرضهم، بقتل أحلامهم وزعزعة استقرارهم في بلدة صور باهر، فكدُ عشرات السنوات والأحلام التي زرعها أهل المدينة لحظة بلحظة في تشييد وبناء بيوتهم ذهب سدىً ليصبح في خبر كان في عدة لحظات بفعل مجزرة الهدم التي يقوم بها الاحتلال.
نكبة جديدة تحِلُ على السكان المقدسيين تُفقدهم حقهم في المأوى والعيش بسلام، والصمت العربي والدولي هو سيد الموقف، سوى من بعض وقفات احتجاجية منددة لفصائلٍ فلسطينية وتصريحات يذهب صداها في الهواء دون أي تغيير على أرض الواقع فهي لم ترتقِ إلى حجم الجريمة التي حلت على رؤوس المقدسيين، فمخالب جرافات الاحتلال الإسرائيلي ومتفجراته تفتك بأحلام الصغار وتُضيعُ جهود الكبار في تأسيس حياةٍ يملؤها السلام.
توقيت الحدث بالنسبة للإسرائيليين مقصود ومهم، ففي ذلك رسالة موجهة يريدون من خلالها صدم الشعوب العربية بهذه التصرفات والإجراءات التي يمارسونها؛ لينشروا مشاعر الخوف وزعزعة الثقة والإحباط بالتزامن مع العدوان الخطير والكبير لمجزرة الهدم تلك، فهكذا سياسة الاحتلال العنصرية التي تعمل على تهجير المقدسيين؛ لمنعهم التمسك بحقوقهم المشروعة.
على خطى التطبيق العملي لصفقة القرن المشؤومة، والتي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية، يمارس الاحتلال الإسرائيلي هذا النوع من الاستعمار الممنهج، وتنفيذ قرارات مؤتمر المنامة التي انعقد في دولة البحرين الشهر المنصرم، والذي لاقى رفضًا فلسطينيًا وتأييدًا عربيًا ودوليًا ومشاركةً إسرائيليةً وتخطيطًا أميركيا.
ولقد أخفقت جميع المستويات الرسمية في التعامل مع القضية في بعض المستويات الشعبية إلا وقفات بجهد شخصي من بعض أنصار القضية وأبناء الوطن فاليوم تُغتال القدس بصمت في ظل التطهير العرقي البطيء المستمر لتصفية الوجود والحقوق الوطنية الفلسطينية، فبدأت تظهر النتائج الكارثية للتطبيع مع الاحتلال على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية بأكملها، فإذا صمت العرب عن هذه الجريمة ولم يتصدوا لها فإن القادم سيكون أصعب وأقسى، والمسجد الأقصى ستصبح قريباً جداً من تنفيذ خطة الهدم المدرجة لدى قيادة الاحتلال.
لقد شق المقدسيون تجربة خيام الصمود بأيديهم وعزائمهم، في حي الشيخ جراح والبستان والخان الأحمر، وهو منهج لا بد أن يتكرر ويتكامل، ولقد أخفقنا جميعاً في الوقوف معهم كما يجب حتى الآن، وكان المقدسيون -الذين اختاروا هذا الخيار- على الدوام أطول نفساً من المؤسسات والحركات والفصائل التي تدعمهم أو يفترض فيها ذلك، وعلى النهج ذاته فقد خاض أهالي وادي الحمص لوحدهم تجربة صمودٍ لم تحظ باهتمام ولا تغطية إعلامية ولا دعم ميداني حقيقي، والواجب أن يتبدل ذلك وأن ندرك في داخل القدس وخارجها أن العمل الجماهيري هو خيارنا الأول الذي يستحق كل الدعم، إن كنا نريد حماية القدس بحق.
إن أهداف الاحتلال الصهيوني القائمة في القدس المحتلة لم تعد تخفى على أي شخص، فالمخططات الموضوعة لتهويد القدس ما زالت تُنفذ بدعم الإدارة الأمريكية في ظل سباتٍ عميقٍ تغطُّ به جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقوى دولية تتعامى عن جرائم الاحتلال، ولكن الأخطر وجود تيار عربي أصبح أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، يعمل على قلب الحقائق وجعل من الفلسطيني الجلاد، ومن المحتل صاحب الحق في الأرض، وله حرية التصرف كما يشاء في الأرض والبشر وتغير هويتهم، فالهرولة العربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وضعف السلطة الفلسطينية في وقتها الراهن أمام التصدي لإجراءات الاحتلال دفعته إلى مزيدٍ من التغول في ممارساته تجاه المقدسيين.