فلسطين أون لاين

"نهيل الشرافي".. انتصارٌ آخر على الإعاقة

...
الشابة نهيل الشرافي
غزة/ إكرام مطر:

أطلقت نهيل تنهيدة الانتصار أخيراً، تنهيدة من يصل إلى هدفه بعد قطعه شوطاً لا بأس به من المعاناة والعقبات.. لا زالت كلما أغمضت عينيها تعيش لذة انتصارها مرة تلو الأخرى فهي لا تنسى اهتزاز القلم فرحاً بين يديها وهي توقع عقد نشر روايتها الأولى، "انتظار".

نهيل الشرافي(29 عاما)، خريجة كلية آداب لغة عربية من الجامعة الإسلامية بغزة، كانت طفلة بأحلام وردية تحطمت فجأة عندما بدأت قدماها تخذلانها وصوتها يختنق في حنجرتها نتيجة نقص الأكسجين عند الولادة، كما أخبر الأطباء ذويها.

وجدت في الكتابة ملاذاً ووسيلة تعبر فيها عن أفكارها دون تعلثم، فخطّت أُولى حروفها لتخلق لها عالماً خاصاً من الكلمات تهرب إليه حين يعجز من حولها عن فهمها.

فور تخرجها من الجامعة، سألت نهيل نفسها "ماذا بعد؟" لتبدأ مشوارها في كتابة روايتها سراً وتخبئ ما تكتبه حتى عن والدتها رغم ما تعانيه من صعوبات وبطء في الكتابة فاستغرقت عاماً كاملاً في كتابة رواية "انتظار".

كتبت في "انتظار"، عن الحصار الخانق على غزة ومعاناة المسافرين من المرضى والطلبة على معبر رفح وانتظارهم المُضني لساعاتٍ وأيامٍ طويلة يذوقون خلالها الذل بشتى أصنافه، تريد أن تثبت لمن حولها أن ألمها لا يشغلها عن ألمهم.

لولا أمي!

كما في كل الحكايات المكللة بالنجاح، لابدَّ من أمٍ عظيمة تكافح وتساند أبناءها حتى يصلوا، وهكذا كانت أم نهيل. أرملة وجدت نفسها مسؤولة عن عائلة بأكملها، فلم يمنعها هذا من توفير العناية اللازمة لابنتها مهما تطلب الأمر.

فكانت تشجع نهيل على الكتابة دوماً كي لا تموت الكلمات على شفتيها وهي عاجزة عن نطقها، وفي اليوم الذي خرجت فيه نهيل من غرفتها وبين يديها رواية، لم تتردد الأم للحظة وهي تشدُّ على يد ابنتها وتأخذ روايتها لكُتّابٍ يقيمونها وينقحونها.

استمرت رحلة الأم وابنتها بالرواية فترة طويلة، كادت تفقد نهيل خلالها الأمل، حتى وصلت إلى اتحاد الكُتّاب الذين وعدوها بإرسال الرواية إلى إحدى دور النشر المحلية علها تنشرها.

النجاح، ثم ماذا؟

كل يومٍ مر بعد هذا اليوم كان يلتهم شيئاً من تفاؤل نهيل وثقتها بحروفها، حتى جاءتها اللحظة المنتظرة التي قلبت الموازين وحملت لها قبول دار النشر روايتها ودعوتها لتوقيع عقد معهم.

تقول نهيل بفخر: لم يكن الناشر يعرف شيئاً عني، ولا عن إعاقتي عندما قرأ روايتي، وقد قيمني بحياديةٍ تامة كما يُقيم أي كاتبة دون أن يضعني في خانة التعاطف.

انتظرت نهيل كثيراً، لكنها في النهاية حققت ما لم ينتظره منها أحد وهي الفتاة الضعيفة بنظرهم، تعاني من صعوبة في النطق وإعاقة حركية، وأصبحت أول كاتبة روائية من ذوي الإعاقة في غزة، تخط بقلمها معاناة من حولها متناسيةً معاناتها الخاصة.

لم يتوقف طموح نهيل عند هذا الحد، فهذه الرواية ليست إلا بداية الطريق نحو حُلمٍ أكبر فهي تسعى لمنافسة كبار الروائيين في غزة بجدارتها لا بتعاطفهم معها.

نهيل الشرافي، فتاةٌ أخرى وجدت نفسها في واقعٍ مرير يخنق الأحلام في مهدها، لكنه عجز عن هزيمتها، فأزهرت وحققت أحلامها رغماً عنه.