لأهمية القضاء في حياتنا، وللدور المركزي الذي تقوم به المحاكم الشرعية في مجمل أنشطتنا الاجتماعية، أعاود الكتابة تثميناً ونقداً، تثميناً للإيجابي على أمل المحاكاة، ونقداً للسلبي على أمل الابتعاد والمجافاة.
برفقة رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ الدكتور حسن الجوجو؛ زرت قاعة الامتحان لوظيفة قاضٍ في المحاكم الشرعية، إذ يبلغ عدد المتقدمين للوظيفة؛ ممن تنطبق عليهم الشروط، 18 شخصاً، والمطلوب للوظيفة عدد 7 قضاة فقط، وهذا يعني أن التزاحم على الوظيفة كبير، ولاسيما أن المتقدمين للامتحان هم منالمحامين الأذكياء، وهم من كبار الموظفين داخل المحاكم، وجميعهم يعرفون تفاصيل الوظيفة التي يتقدمون لها، ويعرفون أهميتها ومكانتها، وهذا ما استوجب الانتباه من القائمين على الأمر، فوضعوا أرقام جلوس سرية، تحقيقاً للشفافية، وجب الغيبة والنميمة عن أنفسهم، وهذا شكل من التنافس نرجو أن يسود بشكل عام، وأن تحظى الوظائف القليلة في قطاع غزة باختبارات حقيقية بعيدة عن الانتماءات والولاءات والصداقات.
اختبارات القضاة في قطاع غزة تستحثنا للنظر إلى الضفة الغربية، ماذا يجري هناك؟ وهل توجد فرق في الخدمات المقدمة للجمهور بين غزة والضفة؟
الجواب حتماً نعم، وذلك بالنظر إلى عدد سكان قطاع غزة الذي تجاوز 2 مليون إنسان، ومع ذلك، ففي غزة عشر محاكم شرعية، يعمل بها 23 قاضيا فقط، وهذا رقم هزيل قياساً لحاجة الناس إلى التقاضي، وهذا الرقم هزيل جداً قياساً لعدد المحاكم في الضفة الغربية، حيث توجد 28 محكمة شرعية في الضفة الغربية، يعمل فيها أكثر من 75 قاضيا، فهل بلغ عدد سكان الضفة الغربية 6 ملايين إنسان ليكون هذا الفارق في عدد المحاكم بين شقي وطن ممزق، يرفع من شأن الخدمات المقدمة للمواطن في الضفة، ويخفض من شأن الخدمة المقدمة للمواطن في غزة؟
غزة شقيقة الضفة الغربية، وجارتها، وصديقتها، أو معرفة قديمة إن لم تكن دمعتها الحارة، وغزة بحاجة إلى المزيد من الوظائف الضرورية لاستمرار حياة الناس، والسلطة هي المسؤول الأول والأخير عن قطاع غزة، السلطة هي المسؤول سياسياً وأخلاقياً ومالياً، وهي التي تجبي الضرائب، وتأخذ أموال المقاصة من المالية الإسرائيلية عن البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة من خلال معبر كرم أبو سالم، والتي تقارب مئة مليون دولار شهرياً، يجب إنفاقها على مواطني قطاع غزة على هيئة وظائف وترقيات ومشاريع تطويرية، ولا داعي لاتخاذ الانقسام مبرراً للتوقف عن التوظيف، والتوقف عن ترقية الموظفين، وقطع الرواتب، والخصم غير المبرر، وخذلان احتياجات الموظفين المعيشية.
ملحوظة: نشهد أن المحاكم الشرعية في قطاع غزة بحاجة إلى المزيد من القضاة، والمحاكم الشرعية بحاجة إلى المزيد من الأماكن والتجهيزات، وقد أقيم قبل فترة مبنى فاخر جداً للمحكمة الشرعية في خان يونس، ولكن هذا المبنى المضاء ليلاً، والجميل، والرائع، الذي يقع على شارع بحر خان يونس، ما زال فارغاً، يصرخ كل يوم، وينادي على المسؤولين بعد التأخير في افتتاحه!
فلماذا؟ يتساءل الناس: لماذا لم يفتتح هذا المبنى المفخرة حتى يومنا هذا، في الوقت الذي لما تزل المحكمة الشرعية في خان يونس تعمل في مبنى مستأجر، مبنى يضيق على موظفيه، وفي مكان مزدحم من المدينة؟ لماذا؟
الناس في خان يونس بشوق لأن ينتقل عمل محكمة خان يونس الشرعية إلى المبنى الجديد بأسرع قت ممكن.