أمام حشد مهيب جاءوا من أكثر من خمسين دولة بدأت أعمال مؤتمر فلسطينيي الخارج في مدينة إسطنبول التركية، حيث عزف السلام الوطني ورفع العلم الفلسطيني، وساد الخطاب الوطني الجامع، وكأن القطار انطلق يحمل بين ركابه الإرادة التي يجتمع عليها الفلسطينيون في أماكن وجودهم كافة، إرادة العمل على انتزاع الحقوق الفلسطينية المشروعة التي سلبها الاحتلال الصهيوني.
هؤلاء الفلسطينيون وتلك المؤسسات المنظمة والمشاركة بالمؤتمر هم أحد أهم أعمدة الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية، فهم من ساهموا في الاعتراف الدولي بفلسطين، وهم من ضغطوا على بريطانيا لقبول مناقشة وعد بلفور داخل برلمانها، هم من يقودون ويدعمون حملات المقاطعة الدولية للاحتلال الصهيوني، وهم من يدعمون ويعززون صمود الداخل الفلسطيني.
يشارك في هذا المؤتمر أبرز المفكرين الفلسطينيين، منهم _على سبيل المثال_ أنيس القاسم، وسليمان أبو ستة، ومنير شفيق، وبيان نويهض، وآخرون (...).
لكن المفاجأة جاءت من بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي تنظر إلى هذا المؤتمر كأنه مساس بوحدانية تمثيلها، فشككت في أعماله وأهدافه، حتى وصفه الناطق باسم فتح أسامة القواسمي بأنه يخدم الاحتلال الصهيوني، وهذا يطرح سؤال: هل فعلًا يشكل المؤتمر تهديدًا لمنظمة التحرير الفلسطينية؟
حركة فتح وبعض حلفائها في منظمة التحرير التي هاجمت المؤتمر يرون في المؤتمر تهديدًا مباشرًا لمنظمة التحرير ووحدانية تمثيلها، وينطلقون من أن المؤتمر نظم بعيدًا عن المنظمة دون التنسيق معها، وأن الأهداف الخفية للمؤتمر تتمثل بالانقلاب على المنظمة والسيطرة عليها.
القائمون على المؤتمر ينفون تلك الاتهامات، والمتحدث الرسمي للمؤتمر زياد العالول قال: "قدمنا للسفير الفلسطيني بتركيا مصطفى فايد دعوة للحضور، ولكنه رفض".
وبين الهجوم على المؤتمر والدفاع عنه لابد من وجهة نظر لا يختلف فيها سوى أصحاب المصالح، وبنظرة موضوعية أقول: أين منظمة التحرير؟، وهل هي كيان معنوي للفلسطينيين كافة؟
نعم، منظمة التحرير هي الكيان المعنوي للشعب الفلسطيني، ولكن هذا الكيان بحاجة لعملية جراحية لاستئصال أمراض خطيرة تنهش بجسمه، وتهدد مستقبله، مرض الترهل والفساد، والهيمنة والابتزاز، عند استئصال ذلك سيفتح باب المنظمة لأبناء الشعب الفلسطيني في أماكن وجودهم كافة، وحينها ستعود المنظمة كيانًا معنويًّا للشعب الفلسطيني، وليست تلك المنظمة التي يهيمن فصيل بعينه على مؤسساتها وقرارها، يستخدمونها متى شاءوا، ويحشرونها بالزاوية متى شاءوا، فكيف ستكون ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا في ظل ذلك؟!
أعتقد أن القطار انطلق، فلا وصاية لأحد على شعبنا، فكلٌّ فقد شرعيته، وحان الآن العودة إلى الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، فالعزف على سيمفونية الممثل الشرعي والوحيد لم يعد يقبلها أحد، فما لم تفتح المنظمة أبوابها للجميع ينبغي أن يفكر الفلسطينيون بطريقة أخرى، وخيارات مختلفة، فلم يعد مقبولًا أن يتحكم الرئيس محمود عباس بمقاليد المنظمة ومؤسساتها ويمارس الابتزاز المالي مع فصائلها، وتحديدًا بعد الإعلان الرسمي من قبل الإدارة الأمريكية والكيان العبري لفشل حل الدولتين، وهذا يعني فشل برنامج منظمة التحرير، وبعد كل هذا ماذا ننتظر؟!، من هنا تأتي الخشية من المؤتمر ومن نتائجه.