عدوان عسكري شرس يفضي إلى شطب حماس خيار على طاولة نتنياهو، مع استحضار لمساهمة ذلك في القضاء على عدو إستراتيجي، وفتح الباب لتعزيز وعودة سلطة رام الله إلى غزة، على قاعدة البرنامج المطبق في الضفة (التنسيق الأمني)، وتعود غزة بذلك إلى سوق عمالة رخيص، مع تجديد للعلاقة الاقتصادية عبر المناطق الصناعية على معابر غزة، وما يمثله ذلك من تعاطي (إسرائيل) مع الرؤية الإقليمية في شطب الإخوان، ومن تحقيق لرؤية (إسرائيل) جزءًا من محور يتشكل في المنطقة، فضلًا عن إعادة الاعتبار لــ(إسرائيل) قوة ردع، بعد أن تهاوت في ناحل عوز، وزكيم، وأبو مطيبق.
في المقابل، حساب السرايا ليس كحساب القرايا، فغزة التي تعطلت على تخومها مجنزرات الاحتلال (51) يومًا مع إذلال غير مسبوق، فباستقراء (إسرائيل) الوقائع التاريخية ودراسة المعلومات الميدانية ستكون أمام قرار عسكري مُعقد، ربما يذهب باستقرار المنطقة الذي سعت له (إسرائيل) بعد ما عطلت ما يعرف بالربيع العربي، فضلًا عن احتمالية عالية لاشتعال الضفة، ما سيسقط شرعية السلطة، وورقة (التنسيق الأمني) المهمة، ويشعل جبهته في الشمال، حال كانت إستراتيجية تزامن الجبهات معتمدة لدى أطرافها، كما أن تأثير ذلك سيطال مشروع تصفية القضية الفلسطينية ما يعرف بـ#صفقة_القرن التي أودعت القدس والجولان في يد نتنياهو، وما زال في انتظار الضفة وغور الأردن، فضلًا عن تعطيله الشق الاقتصادي منها، والقائم على تطبيع عربي من الباب إلى المحراب، والمنافسة شاهد، والهجوم على حماس واعتقال رجالها في عواصم عربية يفتح شهية نتنياهو على مصراعيها أن يصل إلى مبتغاه دون أثمان تمس مستقبله ودولته.
حتى حال تحقق إعادة احتلال غزة ذلك سيضع (إسرائيل) أمام المسؤولية الاقتصادية والأمنية المعقدة، ما سيشكل تناقضًا مركزيًّا مع سياسة (إسرائيل) في عدم تحمل عبء السكان الفلسطينيين لمصلحة أكبر سيطرة على الأرض، فضلًا عن سقوط الاتفاقات التي رعتها المنظومة الدولية، وإذا رغبت (إسرائيل) في ترك غزة تفاوضيًّا لمصلحة السلطة؛ فإنها ستعود إلى نقطة صفر في مشروع حل الدولتين الذي نقضته الحكومة اليمينية، وكذا إدارة ترامب الحالية، وحال الانسحاب من غزة دون توفير البديل ستكون (إسرائيل) أمام سيناريو الفوضى، وربما خلاله سيكون حكم حماس الخيار السيئ لنتنياهو هو الأفضل بالمقارنة.
لذلك أمام الانتخابات الإسرائيلية، والمسار الإجباري له إما السجن أو رئاسة الوزراء متوجًا ملكًا استثنائيًّا في أطول مدة حكم؛ يقف نتنياهو على هذا المفرق الصعب والحساس، ولكنه يسير على هذا الخيط المشدود بمنتهى الدقة والحساسية والذكاء.
ويتجرع صورته المهينة وهو يأوي إلى ملجأ ينجيه من لعنة غزة على مرأى من العالم، ولكن لعنة غزة التي طالت رابين وشارون، ومزيدًا لا حصر له من القيادة الأقل وزنًا منهما؛ ليست بمنأى عن نتنياهو الملك.
وتقديري أنه سيصل إلى رئاسة الوزراء، فلم يعد له نظير في القيادة الحالية بعد اندثار الجيل المؤسس.
ولكنه سيبقى أمام غزة وحساباتها الشديد الحساسية، وسيكون دومًا ضعيفًا في قراراته في مواجهتها، "ولله في خلقه شؤون".