هم قساة جداً على بعضهم البعض، يحاربون خصومهم إعلامياً بشكل عنيف، يفضحون منافسهم، وينقضون على كل كلمة أو تصريح يصدر من هنا أو هناك، يتصيدون الأخطاء، ويؤلبون الرأي العام على مقابلهم، هكذا هم الإسرائيليون في حملتهم الانتخابية، معركة حقيقية، تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة من صورة وسيرة ذاتية ومقارنة ومقال ورأي، ليوظف كل ذلك في موضعه، والهدف هو صوت الناخب الإسرائيلي.
وبعد انتهاء الانتخابات، يتوقف هدير المدافع، ويمسح الإسرائيليون على جراحهم الإعلامية بالعفو، وينسون كل ما قيل، ويبدؤون مشوارهم السياسي معاً، يلتقون معارضة وسلطة في خندق واحد، ولا شاغل لهم عن مصلحة شعبهم، لا يعاتبون بعضهم، ولا ملامة بينهم، ولا انتقام بعد انتهاء المعركة، ولا محاسبة على القول والتصريح والتأليب الذي تم، جميعهم يعرف أنهم كانوا يخوضون معركة، وللمعركة أدوات، والكذب أحد أدواتها، وطالما انتهت المعركة، فلا داعي لتوظيف أدوات الحرب في حياة السلم، لتتعايشكل الأحزاب الإسرائيلية أجواء المصالحة، وتعمل ميداناً لمصلحة الدولة، استعداداً للانتخابات القادمة.
أما نحن الفلسطينيين، فإننا أكثر قسوة على بعضنا البعض منهم، نحارب خصومنا السياسيين بشكل يؤذي الوطن، ونفضح خصومنا التنظيميين بشكل عدائي مميز، وننقض على كلمة وحرف تقال هنا أو هناك، نتابع تصريحات بعضنا البعض، ونوظفها للهجوم والتشهير، ونؤلب الرأي العام على المنافس، هكذا نحن الفلسطينيين في حياتنا السياسية التي تخلو من الانتخابات، نخوض معارك كلامية ونصدر البيانات ونقيم المهرجانات، ونفتح أبواب مكبرات الصوت لذبح كل انتماء لدى الآخر، نطرده من رحمة الحياة السياسية، ونجرده إن استوجب الأمر من انتمائه للوطن، ولا نرى إلا أنفسنا السياسية المقدسة.
ولا تنتهي معركة التشهير في بلادنا أبداً، فلا انتخابات لدينا تنتهي بنتائجها المعركة الإعلامية، نظل في معركة التشهير مدى الحياة، فلا هذا الحزب مقتنع بذاك، ولا هذا التنظيم مؤمن بسلوك ذاك، والمعركة حامية الوطيس فيما بيننا، نوظف لها الصورة والفيديو والأكذوبة، والبيانات الثورية والشعارات الوطنية، ونلجأ للتاريخ ونستعين بالحاضر، ولا حضور للمواطن الفلسطيني في حياتنا التنظيمية، ولا صوت انتخابي للشعب، وعلى المواطن الفلسطيني أن يصطف هنا أو هناك، دون إرادة حسم من خلال صناديق الاقتراع، وإنما الحسم من خلال الوظائف والترقيات والرشوة المالية أو الاستثنائية؛ التي لا تخدم الحياة الديمقراطية، وإنما تشجع التبعية والولاء والتسليم بقداسة التنظيم، دون قداسة الوطن.
ليت الفلسطينيين يتعلمون من أعدائهم درس الانتخابات، يهاجمون بعضهم البعض فترة الدعاية الانتخابية، ليعودوا شعباً واحداً غير منقسم بعد ظهور النتائج، ليت الفلسطينيين يسلمون بنتائج الانتخابات إن حصلت، ويعترفون بحق المعارضة في قيادة المرحلة، وحق الشعب في قول كلمته في كل مرحلة من حياته السياسية، ليت للفلسطينيين حق اختبار قياداتهم بشكل ديمقراطي، يحاسبونهم على القصور، ويصفقون لهم عند النجاح.