إن من مقاصد الشريعة انتشار النسل وتكثيره، وطلب الذرية أمر مشروع وذلك لتكثير عدد الأمة وقد حث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك بقوله: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الولود فإني مكاثر بكم" ]أخرجه ابن حبان في صحيحه 9/364، ح4056[.
وقد جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تربية الأولاد والبنات التربية الحسنة سبباً من أسباب النجاة فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" ]أخرجه مسلم في 4/ 2027، ح2629[.
أما فيما يتعلق بتنظيم النسل وتحديده فيمكن القول:
أولاً: أن تنظيم النسل أو تباعد الولادات بشكل لا تحمل معه المرأة إلا مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات فهذا أمر جائز عند كثير من العلماء قديماً وحديثاً، إذا تم بغرض المحافظة على صحة الأم والأولاد أو بغرض القدرة على حسن تربية الأولاد، ويمكن للمرأة أن تستعين بالطبيب الثقة ليدلها على الوسيلة المناسبة لها في عملية تنظيم الحمل.
ثانياً: أن تحديد النسل أو منع الحمل أمر يخالف الفطرة خاصة إذا اقترن ذلك بالخوف من الفقر فإنه يدل على سوء ظن بالله تعالى حيث قال تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } (الإسراء: 31).
وعلى هذا فالأصل أنه لا يجوز تحديد النسل أو منعه.
ويستثني من ذلك حالات الضرورة التي يقررها الأطباء الثقات بشرط ألا يكون من بينها الخوف من الفقر أو ضيق الرزق أو قلة الدخل لأن ذلك ينافي التوكل على الله تعالى ويخالف الاعتقاد الصحيح المتعلق بتقدير الرزق لكل مخلوق، وأعلم أيها السائل الكريم أنه ليس كل مرض يبيح تحديد النسل، ولكن المرض الذي يتأكد منه مهرة الأطباء الصادقين الموثوق بهم دينياً وعلمياً وأدبياً وأخلاقياً، أن المرأة إذا حملت والمرض موجود فيها أنها ستتضرر ويؤثر ذلك على حياتها وربما أدى ذلك إلى فوات حياتها حينها إذا قرر الأطباء الثقات ذلك فإنه يجوز استناداً إلى قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } (النساء: 29) وقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" [أخرجه أحمد5/55، ح2865، وابن ماجه2/784،ح2341، وصححه الألباني في صحيح الجامع2/1249[.