فلسطين أون لاين

إلى طلابنا الأعزاء.. ما أعظم دوافع طلب العلم؟

لو سألنا طلابنا هذه الأيام: ما الذي يدفعك لطلب العلم؟؛ فسنحصل على إجابات كثيرة: منها -مثلًا-: طريق المستقبل المشرق لا تكون إلا بطلب العلم، فالعمل المحترم والمهنة أو الوظيفة الجيدة تحتاج إلى شهادة جامعية، وتطوير التفكير وسعة الأفق، وزيادة المعلومات والاطلاع على علوم وخبرات الآخرين، وبناء الذات وتوسيع قدراتها، والارتقاء الثقافي وزيادة القدرة على التواصل مع مفردات الحياة وصولًا إلى كفاءة أفضل وحياة أرقى ... إلخ.

كل هذا وغير هذا جميل ورائع، ولكن هناك دافع يرفع من مستوى الحماسة والحرص على المثابرة والاستمرار والتحصيل الأفضل، ليتنا نجيد زراعته في نفوس طلبة العلم، ألا وهو إدخال حسابات الآخرة والحياة الأبدية الخالدة، فالذي يُحصّل علمًا يسهم في حياة مشرقة في الدنيا، إذا أدخل حسابات الآخرة؛ يُحصّل حياة أبدية خالدة مشرقة، وهذا زيادة نوعية في الكمّ والنوع، فكم الفرق بين الحياتين!، فإن حصل الاثنتين فكم يكون لطلب العلم عنده معنى عظيم وهدف دونه تتضاءل كل الأهداف، إذا اقتصرت على الحياة الدنيا فقط!، لذلك كانت الآية الكريمة توضح هذا الأمر عندما ذكرت درجات أهل العلم عند الله، وهذا يزرع قوة عظيمة في العقل الباطن حيث مصنع الإرادة والدافعية للتعلم، فأين الدرجة التي يمنحها الناس للمتعلم من الدرجة التي يمنحها الله؟!، فكانت الآية: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".

كيف بطلابنا عندما يؤمنون إيمانًا راسخًا بأن من يسلك طريقًا يطلب به علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة (كما ورد في الحديث الشريف)؟!، فرق شاسع بين ذلك وحساباتنا الدنيوية التي تقول من سلك طريقًا للعلم فُتحت له طريق إلى الوظيفة أو فتحت له طريق في سوق العمل أو فتحت له طريق نحو مكانة اجتماعية أو حظي باحترام عند الناس ... إلخ.

عندما نرفع سقف التطلعات لدى طالب العلم، فيُدخل مع حسابات الدنيا حسابات الآخرة؛ فإننا نزوده بقوة طلب أعلى ووقود نوعي يرفع من درجة حماسته وحرصه على طلب العلم، وتحقيق أفضل ما يمكن من إنجاز وإبداع.

ولتحقيق هذا الدافع العظيم وهذه الطاقة الجبارة لابد من إعادة الصياغة للعقل الباطن أو غير الواعي لبرمجته على حسابات الآخرة إضافة إلى حسابات الدنيا الموجودة أصلًا، وهنا ندرك أهمية البناء الإيماني العملي الصحيح، الإيمان بالله واليوم الآخر إيمانًا عميقًا حاضرًا في وجداننا لينتج هذه النيات الفاعلة، لابد من تصويب الأهداف وتصحيح النيات، لتصبح مهارة نعتادها وندرب طلابنا عليها.

وهذا يؤكد أن العملية التربوية ليست علمًا ومعرفة فحسب بل هي برمجة للعقل الباطن وتدريب على مهارات ترتقي في الإنسان، إن أحسنّا زراعتها كان لها ما بعدها من ارتقاء في العملية التربوية أيما ارتقاء، وفتح آفاقًا حدودها واسعة تسع الدنيا والآخرة.