لم تضع الحرب أوزارها لا في الشمال ولا في الجنوب، ولن تضع، فطالما كانت هنالك دولة تسمي نفسها إسرائيل، تغتصب أرض فلسطين، وتستعبد حياة مئات ملايين العرب، فالحرب قائمة رغم أنف كل أولئك الذين زعموا أن هدوء الجبهات يخدم القضية الفلسطينية، وأن الانفجارات والتفجيرات والمواجهات تضر بفلسطين وقضيتها المركزية.
الحرب قائمة بمقوماتها التاريخية والأيديولوجية والسياسية، ويتأجج أوارها بين العرب جميعهم والإسرائيليين بأشكال متعددة، منها الاستخباري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والحضاري والمالي، ويتبدل لون الصراع من مرحلة إلى أخرى، لتظل المواجهة المسلحة هي تاج الصراع الذي تمثله الساحتان الفلسطينية واللبنانية، وهما ترسمان معالم مرحلة جديدة من المواجهة التي أربكت كل الحساب العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
حرب شمال فلسطين وجنوبها حرب واحدة، والعدو على جبهة لبنان وعلى جبهة غزة والضفة هو عدو واحد، وصديق الجبهتين واحد، وأي نصر تحققه الساحة اللبنانية هو نصر لفلسطين قبل أن يكون نصرًا لشعب لبنان، وأي نصر تحققه غزة هو نصر للكل العرب قبل أن يكون نصرًا لشعب فلسطين، إنها معادلة البقاء والنقاء والتقاء المصالح لمواجهة الأعداء، والتخلص من لوثة الخلاف العرقي والطائفي والحزبي والقومي التي توحد خلفها الغزاة الغاصبون لأرض فلسطين.
وكلما اشتد ساعد المقاومة في شمال فلسطين وجنوبها، كلما تراخت قبضة الأمن والأمان الاستقرار على هذه الأرض التي كانت حلمًا للصهاينة في يوم من الأيام، فصارت وجعًا لهم، وقلقًا ينام على مخدة أمنهم في المساء، فيصحو مع الفجر على تصريحات قادتهم بحرق لبنان، وتدمير غزة، وسحق مقومات الحياة للشعب اللبناني، وتدمير ما تبقى من وجود فلسطيني على أرض غزة، تصريحات إرهابية يلتقي عليها كل قادة إسرائيل من يسارهم إلى يمينهم، من المتطرف إلى الأقل تطرفًا، ومن زعيم المعارضة بيني غانتس الذي هدد بعودة لبنان إلى العصر الحجري، إلى رئيس الحكومة نتنياهو الذي هدد لبنان بالسحق، وتوعد غزة بالمحق.
التهديدات الإسرائيلية بتدمير الحياة في غزة، والعودة بلبنان إلى العصر الحجري هي تصريحات تعكس حالة الضعف والخوف معًا، وهي تصريحات تعبر عن عدم القدرة على مواجهة رجال المقاومة في الشمال والجنوب معًا، وهي تصريحات موجهة إلى حاضر المواطن العربي ومستقبله معًا، وهي تصريحات تهدف إلى إثارة الخوف في نفوس العرب بهدف تحريضهم على المقاومة، ليشكل المواطن العربي درعًا واقية لعدوان الصهاينة من خلال الخوف على مستقبله، وبيته، وعمله، وحياته، وأطفاله، وهذا ما دأب عليه الأعداء منذ مذبحة دير ياسين في فلسطين، ومذبحة بحر البقر في مصر، ومذبحة قانا في لبنان، إنه الإرهاب المتجدد الذي يؤكد رعب الصهاينة، ويؤكد قدرة رجال المقاومة على تطوير وسائلهم القتالية القادرة على طعن العدو في خاصرته الرخوة، فما دامت الجبهة الداخلية للشعوب العربية هي المستهدفة بالحرق، فلتكن جبهة العدو الداخلية هي عين العاصفة، ومكمن الوجع الذي سيحز على عنق الجلاد بالسكين نفسها، وهذا هو التوازن الكفيل بتعديل موازين القوى لصالح الأكثر قدرة على الصمود.
وإذا كانت غزة الصغيرة الفقيرة المحاصرة قد أسست مدرسة الصمود، وخرجت الأجيال القادرة على إعطاء الدرس العملي في تطوير قدراتها، وإيجاع عدوها حتى الممات، فإن وحدة الحال بين غزة ولبنان سيكون أكثر قوة ووجعًا لعدو الشعوب العربية، وأكثر قدرة على تغيير موازين القوى لصالح الإنسان العربي الباحث عن حريته، والرافض لحياة الخنوع وفق مشيئة عدو لا يرى بالعربي إلى عبدًا بالوراثة، كما عبر عن ذلك الحاخام اليهودي المتطرف اليعازر كشتيئل.