حنكة قلّ نظيرها
حيدر المصدر
باحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية
لم يترك زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، مجالاً لنا للتشكيك في قدرته على توظيف البُعد النفسي بكفاءة واقتدار. فكلما تصاعدت أجواء التوتر بينه وبين (إسرائيل)، نجده يركن إلى أفعال التأثير بصيغتها الناعمة، ليحقق من خلالها ما عجز عنه آخرون بالقوة الخشنة. هذا الاشتغال المحترف يكشف ببساطة حقيقة التطور الذي يشهده الحزب في مجال التحكم عن بعد (اللاإرادي)، سيما وأن منطوقه من التهديد الموجه يحمل الأثر ذاته الذي يفترض للفعل الحقيقي أن يؤديه.
ولكن كيف استطاع حزب الله أن يصل لهذا المستوى المتقدم من التأثير؟ السر باختصار يكمن في مزاوجته بين الكلمة والفعل، وما تراكمه من مصداقية بمرور الأيام، بحيث تجعل من الملفوظ الساكن على درجة أهمية الفعل المتحرك نفسها، إن لم تتجاوزه. والحقيقة أن الحزب تمكن من قلب معادلة السيطرة الظرفية لصالحه، عبر عمليات تأثير تدمج بين المستويين العسكري والدعائي، وما يترتب عليها من تداعيات سلبية على مستوى قيادة الخصم، وقدرته على اتخاذ قرارات صائبة في لحظة زمنية معينة. والأخير بحد ذاته منهجية تفكير أكثر من كونه تكتيكا عملياتيا، لأنه يعتمد في تخطيط خطواته على مزج عناصر المعلومات والقوة العسكرية والدعاية بطريقة منسقة ومتزامنة، للوصول إلى نتائج لا تتعارض والأهداف الإستراتيجية. وهذا ما يفسر حالة التأني القائمة، التي يتخذ منها حزب الله بوابة للتحكم في سلوك (إسرائيل)، من خلال شل حركتها وتقليص هامش خياراتها إلى الحد الذي يمكّنه من التحكم في حركة التفاعلات حتى نهايتها.
وما سبق يكشف مدى قدرة حزب الله على التكيف مع طبيعة الصراع القائم، والحد الذي بلغه في فهم أنظمة (إسرائيل) وطريقة تفكيرها، وبالتالي نقاط ضعفها، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه كي يتجاوز حدود الاهتمام بالتأثير المباشر والآني إلى فضاء التأثير ذي الصبغة الإستراتيجية. وعليه سيواصل حزب الله إلى أمد غير معروف توظيف مبدأ عمليات التأثير ضد (إسرائيل)، وسيعمل في كل مرة على احتواء ضرباتها في مرحلة أولى، ثم الانتقال إلى مرحلة سيطرة كاملة في المرحلة الثانية، سيما وأن قدرته على الرد متجذرة في الوعي (الإسرائيلي).
وأخيراً لا بد من إخضاع تجارب حزب الله للتحليل، واستخلاص عبرها الدعائية والعسكرية، وتوظيف الملائم منها في ساحتنا الفلسطينية، فنحن أحوج ما نكون إلى الاستفادة من جميع التجارب التي تحدث من حولنا.