حوار الساعة، والصوت المسموع، والتركيز المنصب على ما يجري في شمال فلسطين المحتلة، هل يرد حزب الله أم لا؟
على أهمية هذا الأمر وما سيترتب عليه من استتباعات تخص حزب الله ومصداقيته وارتدادات الرد عندما يحصل، هل يرد الكيان؟
وإذا رد فهل سندخل في سلسلة من الردود التي تنتهي بالحرب الشاملة؟
تساؤلات مهمة، ولكنها ليست جوهرية، نظرًا لتجاهل تغييرات جيواستراتيجية تتعلق بعمق الصراع وإعادته للنقطة الأولى.
العقل العربي مصاب بتدجين لرؤية سقطت وسقط رموزها ومروجوها، وما زالت آثارها ترخي على هذا العقل لا يتحرر من قيودها بعد نهائيًّا، كادت تفضي إلى حرب طائفية لا تبقي ولا تذر.
العقل العربي مخذول بعد سقوط النظام العربي ذهنيًّا وقيميًّا من حساباته، والشك في نواياه وانتمائه للقضايا العربية عمومًا ولقضية فلسطين خصوصًا، بفرض الأمر الواقع عبر التطبيع السياسي والدبلوماسي والثقافي والأمني والعسكري مع غدة سرطانية تفتك في الجسم العربي، وتُفرغه من محتواه، وتُبقيه خيمة على رأسها كرسي حكم مهزوز، لكنه يسمى حاكمًا.
العقل العربي فقد الثقة، وما عاد يستوعب فكرة إزالة الكيان مع أنه مرفوض، ما عاد يستوعب تصورات لمشاريع تملك خططًا وأهدافًا وإستراتيجيات ورؤى تتمكن من كسر هذا المشروع وإزالته، وهي موجودة، مشروع رفض التصالح مع المستسلمين، فكيف له أن يتفاهم مع الممانعين الرافضين لوجوده؟!
كيان لا يصافح الأيدي المكسورة والرؤوس المطأطئة، ويكسر الرؤوس الشامخة، مع دعوات محمومة من أصحاب الحسابات المليونية لكسر حيرته وتوجيه غضبه باتجاهات أخرى، تبديد ما تبدد من طاقات، وقتل الآمال والطموحات، فلا استسلام مقبول ولا قرار حرب معقول، نحن فيه باتجاه آخر في مسار مختلف في أجواء مغايرة، دولة الاحتلال تقر بأنها تحت النار وأمام مخاطر شديدة لا تطيش وراء الأوراق العائمة، تنظر بعمق إلى الخلفيات الذهنية والتصورات الإستراتيجية التي تقف من خلف الظواهر السطحية، لكنها تحدث تغيرات المناخ الجيواستراتيجي.
دولة الاحتلال تدرك أنها أصبحت على الطاولة، وأن الذين يملكون قرارًا في المنطقة يرفضونها رفضًا سلبيًّا يسعى لترجمة هذا الرفض إلى حقائق في الواقع عمليًّا، صفقة القرن ستكون آخر قبر لبقايا الإقرار بوجودها، ستسقط الصفقة ويُدفن فيها المتساقطون.
لأول مرة يتحدث الجيش الصهيوني عن جبهات، قبل سنوات قليلة كانت ضربًا من الخيال، ضفة تنازع قاتلها الميت لتعيش أبقت على نفسها جبهة بالرغم من كل المحاولات لتغييرها وتدجينها.
كل ما أصابها وأصاب القدس على بشاعته أذى.
النقب عاد ليصبح مثل الضفة ويزيد.
"الشاباك" يعمل على مدار الساعة، وراشقو الحجارة ممن قمعوا الانتفاضة الأولى ودلوا على أثر الفدائيين في الشريعة والجفتلك جهلًا ينتفضون، وفي المثلث الجنوبي والجليل الأعلى والأسفل على العهد خزان لا ينفد، صفاء انتماء يقابله جيش غير معلن.
وغزة المحاصرة الحصن الحصين والقوة الضاربة التي لا تغيب تقعد في العقل الصهيوني السياسي والأمني والعسكري، تشوش ولا تفارق شبكية عينه ولا مخيلة عقله، والقدس في كل صلاة تُبرم عهدًا جديدًا أنها صامدة تنتظر.
شتات الفلسطيني التواق للعودة العاشق للوطن، يريد أن يقاتل العدو الذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ بتهجيره من قراه ومدنه ليصبح عالة على غيره دون قصد منه، لا يريد من يقدم له الطعام والشراب بمعزل عن السلاح والوفاء لفلسطين.
أيها الفلسطينيون في المنافي، في دول اللجوء المؤقت، دينك دينك، سلاحك سلاحك، ما حك جلدك مثل ظفرك، البيئة تتغير والمناخ يختلف يشكلان فضاء مناسبًا لمصلحتنا.
نحن على أبواب عقد القتال الحقيقي، سيكون جهادًا بلا هوادة.
أيها الفلسطينيون في كل مكان، سنأخذ دورنا وستهب رياحنا، وسنغتنمها، لن نفوتها، لن نتعرقل بأوهام، ولن نتردد لحسابات صغيرة أمام الفرصة الكبيرة.
عدوا واستعدوا وأرهقوا هذا العدو، واعلموا يقينًا أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله.