فلسطين أون لاين

​"كانون النار" رفيق العائلات في الشتاء

...
صورة أرشيفية
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

يتفحص العامل محمود عمران جنبات الطريق الترابي الذي يسلكه عائدا من عمله شرقي مدينة غزة، لعله يغنم صدفة بقطع خشبية أو كرتونية من شأنها أن تخرج سهرته الليلة حول موقد النار "الكانون" على أكمل وجه.

واعتاد عمران (41 عاما) منذ رحيل فصل الصيف وانخفاض درجات الحرارة اشعال الحطب والنار في الحديقة الخلفية لمنزله غرب المدينة، بعدما يستريح برهة من عمله في إحدى المنشآت الاقتصادية، ضاربا بذلك "عصفورين بحجر".

ويتغلب الرجل الأربعيني من خلال عادته شبه اليومية على أزمة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وكذلك يجمع جل أفراد عائلته وأبناء عمومته حول موقد النار، يتسامرون فيما بينهم بعيدا عن صخب الحياة وأوجاع الحصار الإسرائيلي الذي قهر الحجر قبل البشر.

ويقول عمران لصحيفة "فلسطين" إن اشعال الحطب أصبح جزءا أساسيا من حياته اليومية وتحديداً خلال المنخفضات الجوية العميقة واضطراره للجلوس في البيت حال التساقط الكثيف للأمطار، مبينا أن اجتماع أطفاله وأحبابه حول موقد الحطب يمنحه شعورا بـ"السعادة الغامرة".

ويقضي الأربعيني نصف ساعات نهاره خارج منزله في عمله وأثناء عودته بعد الساعة الخامسة مساء يتفحص زوايا وجنبات الطريق الذي يسلكه بين الأحراش والأراضي الفارغة، على أمل أن يجمع بعض العيدان الجافة والقطع الخشبية التي سيكمل بها بعض فصول سهرته حول الموقد ليلا.

وفي الليل، يمضي عمران نحو أربع ساعات حول الكانون منشغلاً بالحديث أولاً عن شؤون بيته ومتابعة المسيرة التعليمية لذويه، وبعد ذلك يدخل في حوار جدلي مع أقاربه عن ظروف الحياة المعيشية والاقتصادية داخل القطاع وكله أمل أن تنتهي أزمة الكهرباء وتقل ساعات القطع اليومية.

ويعاني سكان القطاع المحاصر من أزمة حادة في انقطاع الكهرباء ، بدأت عقب قصف الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة عام 2006، بالإضافة إلى استهداف مخازن الوقود في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، صيف عام 2014.

حياة بسيطة

أما الحاج إسماعيل عبد ربه فأكد أن كانون النار الموقد بالحطب أو خشب الأشجار كان وسيبقى من أهم وسائل التدفئة التقليدية والإنارة أيضا، مثلما كان شاع في القرى والبلدات قبل نكبة عام 1948 وفي أوائل عهد مخيمات اللجوء في غزة والضفة.

وقبل دخول فصل الشتاء بعدة أسابيع يجهز عبد ربه نفسه بشراء كميات جيدة من خشب أشجار الحمضيات والزيتون، قبل أن يشرع بإعداد مقعد العائلة العامة وتوسعته، فضيوف جلسته حول موقد النار لا يقتصرون على أفراد عائلته بل يشملون أيضا بعض سكان الحي والمنطقة عموما.

ويتذكر عبد ربه تفاصيل الحياة البسيطة التي كان يقضيها مع عائلته أثناء طفولته الأولى، قائلاً: "كانت والدتي تنجز شؤون حياتها اليومية من طبخ وغسيل وتجهيز مياه الاستحمام بواسطة النار والحطب الذي كنا نجمعه صبيحة كل يوم من الأزقة والأراضي الزراعية، أما الإضاءة الليلة فكانت على لمبة الكاز أو الفتيل".

ويبدو الحاج الذي بلغ من الكبر عتياً في أوج سعادته عندما يرى الصغار والكبار والغريب والقريب مُتحلّقين كالدائرة حول الكانون يرتشفون الشاي المغلي المدخن برائحة الحطب، ولكن سرعان ما ترحل أسارير سعادته عندما ينفض الجميع عن مجلسه الشعبي فور عودة التيار الكهربائي على حين غرة.

وعند انفضاض المجلس ينشغل الحاج عبد ربه بمعاونة بعض أحفاده بترتيب أركان مقعده وتجهيز "قرميات" الحطب من أشجار الليمون تحديداً، لجلسة شتوية جديدة تجمع ما بين الضحك وأوجاع الحياة وذكريات الماضي البعيد.

وشهد قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ منتصف عام 2007، زيادة ملحوظة في معدلات الإقبال على شراء الحطب، نظرا لاعتماد عدد كبير من العائلات عليه في تدفئة منازلهم خلال الشتاء بدلاً من المدافئ الكهربائية في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

وتتراوح حاجيات القطاع من الكهرباء ما بين 480 و500 ميغاوات، لكن المتوفر قرابة 222 ميغاوات في أحسن الأحوال، وتأتي من ثلاثة مصادر، هي: محطة غزة الرئيسية، وخطوط كهرباء قادمة من الاحتلال وأخرى مصرية.