في 12/6/2019 أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن سياسته بشأن الضفة الغربية تقوم على المبادئ الآتية:
١- الضفة الغربية وطننا وبلدنا!
٢- سنستمر في تطوير وبناء هذه المنطقة ، أي ( تكثيف النشاطات الاستيطانية)!
٣- لن يتم إخلاء أو اقتلاع أي مستوطنة بخطة أو بدون خطة!
٤- سيواصل الجيش السيطرة على الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، بما في ذلك وادي الأردن!
٥- سنعمل للحصول على اعتراف دولي بهذه المبادئ!
وفي 14/6/2019 قال وزير التعليم الإسرائيلي ( رافي بيرتز): يجب أن تكون جميع مناطق يهودا والسامرة، يعني الضفة الغربية، تحت السيادة الإسرائيلية، ولن نمنح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، وسوف نضمن مساعدتهم للازدهار !. ولن يكون للفلسطينيين حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية وعلى أي مستوى!
وفي 7/7 2019 أعلن نتنياهو أنه لا وجود للشعب الفلسطيني، ولا تاريخ لهم! حيث جاؤوا من جنوب أوروبا!
إنك إذا تأملت هذه التصريحات ، وراجعت في ضوئها اتفاقية أوسلو وتوابعها، التي رفضها الليكود في حينه، تجد أن الفكر الصهيوني في (إسرائيل) وكما تمثله أرفع المستويات السياسية الحاكمة وصاحبة القرار، لا يؤمن بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة لهم، لا بحسب مشروع الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947م، ولا بحسب رؤية بوش الابن لحل الدولتين. وإن سنوات المفاوضات الطويلة على قاعدة حلّ الدولتين في فترتي (حكم أولمرت، ونتنياهو) كانت عبثية، وكانت (إسرائيل) تطيل أمدها لكسب الوقت وفرض وقائع جديدة على الأرض لتقتل ما يسمونه حل الدولتين عمليا، ولما حققت (إسرائيل) جلّ ما تريده على الأرض بتوسيع الاستيطان، وتهويد القدس، وحصلت على تأييد أميركي بضم القدس، ونقل السفارة الأميركية إليها، وحصلت على تفهم عربي جيد لرؤيتها من الخليج والمملكة ومصر، كما جسد ذلك مؤتمر المنامة للازدهار، أفصحت (إسرائيل) برؤيتها المستقبلية، وأنكرت وجود الشعب الفلسطيني، وهو إنكار يعود بنا لإنكار جولدا مائير في ظل حكمها للدولة. (إسرائيل) تنكرت لحلّ الدولتين بعد أن فاوضت عليه عباس عقدين من الزمن، ولخصت الحلّ الذي تراه بكلمات واضحة وبسيطة : الحلّ المقبول (دولة بنظامين -أبارتهايد) يشبه ما كان في جنوب إفريقيا.
في هذا الحلّ تكون بحسبهم دولة يهودية خالصة لليهود، لهم قانونهم، وحقوقهم الوطنية والسياسية كاملة، وسكان عرب غير يهود يعيشون على هذه الأرض بحكم التاريخ، وتمنحهم الدولة اليهودية حق الإقامة والعيش وتساعدهم في الازدهار، ولكن دون حقوق متساوية مع السكان اليهود، إذ ليست لهم حقوق سياسية، ولن يشاركوا في انتخابات الكنيست، ولن يحملوا جنسية (إسرائيل)، وربما يمنحون حكما ذاتيا تحت ظل وحماية الدولة اليهودية!
نحن إذًا أمام حلّ يقوم على قاعدة عنصرية عريضة، تحت مسمى دولة بنظامين، وهي رؤية اقترحها قادة يهود ومنهم جابونتسكي، قبل قيام دولة (إسرائيل) في عام1948م. وقادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبالذات محمود عباس الذي قدم رسالة دكتوراة في الفكر الصهيوني، يعرفون ذلك قبل دخولهم إلى مفاوضات أوسلو المنفردة والسرية؟! ومع ذلك غامروا بقضية الشعب من خلف ظهره، وزعموا أن الدولة الفلسطينية بين أيديهم، وهي أقرب إليهم من حبل الوريد.
ثم جاءت الأيام والأشهر والسنوات لتقول لهم إنكم كنتم واهمين، وكنتم تحلمون، ولم تكونوا يوما واقعيين، رغم زعمكم أن الواقعية هي في المفاوضات، فاليوم الشعب الفلسطيني أبعد ما يكون عن الدولة المستقلة على حدود 1967م. ولا حلّ ممكن وقابل للتنفيذ إلا ما طرحه نتنياهو في المبادئ آنفة الذكر، وهي مبادئ حقيقية إسرائيليا وليست إعلامية، وقد أرسلها صائب عريقات للمجلس المركزي، ولرئيس السلطة، وقال معقبا: لا بد لنا ودون القفز في الهواء من البدء الفوري في تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع (إسرائيل). لم تعد هناك مرحلة انتقالية، وليست هناك اتفاقيات موقعة.
إنه وبحسب كلمات عريقات انتهت مفاوضات منظمة التحرير والسلطة مع (إسرائيل) إلى صفر كبير بعد عقدين ويزيد على اتفاقية أوسلو، ولم تعد هذه الاتفاقية موجودة بحسب دراسة عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين؟!! وبالتالي استطاعت (إسرائيل) من خلال أكذوبة المفاوضات والسلام تدمير منظمة التحرير، وتدمير المقاومة، وبالذات فتح، والتفّت على الحقوق الفلسطينية، وعلى قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها قرار التقسيم، وانتهت إلى إنكار وجود الشعب الفلسطيني كشعب له الحق في تقرير المصير، وأقنعت أميركا ودولا أخرى بالتعامل مع الفلسطينيين في الضفة كأقلية عربية تقيم على أرض (إسرائيل)، وأن (إسرائيل) الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تحمل القيم الغربية، قررت أن تعطي هذه الأقلية حكما ذاتيا؟!
وفي رأينا: إن مشروع الحكم الذاتي، هو مشروع حلّ الدولة بنظامين، ولا يختلف عنه في شيء مهم. هذا المشروع ليس مطروحا من قادة (إسرائيل) لحلّ مشاكل الفلسطينيين السياسية وغير السياسية، بل هو مطروح لحلّ مشاكل دولة (إسرائيل) بعد احتلال الضفة وغزة، (فإسرائيل) لا تحتمل حلّ الدولة الواحدة بحقوق متساوية لأن هذا الحلّ يؤول إلى دولة مختلطة ديمقراطية الحكم فيها لصندوق الانتخابات، وغدا تكون الأغلبية العددية للفلسطينيين الذين يمكنهم عندئذ تقرير مصير الدولة. وهي أيضا لا تحتمل حلّ الدولتين، لأن قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة يعني أن أرض (إسرائيل) بمفهومهم ليست خالصة لهم، وأن الدولة الفلسطينية تحمل أخطارا أمنية كبيرة.
)إسرائيل) تريد أن تحلّ مشاكلها مع حلّ الدولة الواحدة، وحل الدولتين، من خلال حلّ الدولة بنظامين، أو حلّ الحكم الذاتي، والحل يمنحها الحق في السيطرة على أرض فلسطين المحتلة بكاملها، ويمنع قيام دولة فلسطينية ذات أخطار كبيرة على مستقبل دولة (إسرائيل)، ويحفظ لدولة (إسرائيل) يهوديتها . حلّ دولة بنظامين ليس عطاء إسرائيليا للفلسطينيين، بل هو حلّ فيه معالجة لمشاكل (إسرائيل) نفسها.
نحن فلسطينيا نسمي هذا الحلّ (أبارتهايد) ونقول إنه نظام عنصري أسوأ مما كان في جنوب إفريقيا، ونطالب العالم المتحضر بأن يساعدنا في رفض هذا الحل، والأخذ على يد (إسرائيل) لتنفيذ حل الدولتين مع تبادل في الأراضي. ولكن العالم لا يعد حلّ الحكم الذاتي (أبارتهايد) وفصلا عنصريا، وهو في رأيهم مطبق في العديد من دول العالم، ولا أحد يعده عملا عنصريا مذموما. بل إن (إسرائيل) تلقى تأييدا لها في طرح هذا الحلّ من دول كبيرة كأميركا.
إن إستراتيجية مواجهة حلّ الـ(أبارتهايد) بالاستعانة بدول العالم المتحضر لا تجدي نفعا للفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين مواجهة هذا الحل العنصري بالاعتماد على أنفسهم، بحيث يمكنهم مواجهة خطة (إسرائيل) بالمطالبة بكل الأرض الفلسطينية. إنهم يطالبون بكل الأرض وعلينا أن نطالب نحن بكل الأرض أيضا. وأن نتخلى عن الحلول المرحلية وحدود 1967م، وأن نطالب بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية على المستوى السياسي. ويجدر بالفلسطينيين أن يتخلوا عن اتفاقية أوسلو، وأن يعودوا إلى خيار المقاومة، وأن يُشعروا العالم بأن عودتهم للمقاومة هي عودة المضطر، الذي طلب السلام والحقوق فلم يجدهما، لا عند العالم، ولا في اتفاقية أوسلو.
حين يعود (نتنياهو وإسرائيل) إلى الحلول الوطنية القومية التوراتية، فإن على الفلسطينيين العودة إلى الأصول الإسلامية والوطنية والقومية، والتمسك بكامل تراب فلسطين، والعودة لخيار المقاومة.