"من قال إنني هدمت عمارتي؟ إن الهدم زادني تمسكا وتجذرا بهذه الأرض" هكذا يتشبث محمد أبو طير بعد أن رأى عمارته السكنية التي تضم 40 شقة وتسعة طوابق تهدم بالمتفجرات أمام ناظريه، معلنا مواصلة التحدي: "هذا صراع بقاء نخوضه، وسأبني عمارة أخرى".
ليس وحده منزل أبو طير الذي هدمته سلطات الاحتلال، ففي 22 يوليو/ تموز الماضي شرعت بهدم 70 شقة بحي وادي الحمص، بعد موافقة ما تسمى المحكمة العليا الإسرائيلية على هدم 13 مبنى في الحي، بذريعة قربها من الجدار الفاصل، وهكذا يواصل الاحتلال الهدم وفرض الضرائب تنفيذا لخطة تفريغ القدس وتهجير أهلها، لكن صمود المقدسيين وثباتهم أمام كل ما يفرضه من إجراءات أفشلا الخطة المسماة "2020" فبات يتطلع إلى خطة "2050" ليحقق أهدافه التهويدية أو تحقيق تفوق ديمغرافي لم يستطع تحقيقه حتى الآن، إذ يبلغ عدد المقدسيين 38% من سكان المدينة المقدسة، وهذا ما فاجأ الاحتلال.
هدم وضرائب
فأبو طير الذي بنى ثلاث عمارات سابقة يقول لصحيفة "فلسطين": "إنني لن أرحل عن القدس مهما فعل بي الاحتلال من انتهاكات (..) العمارة التي هدمها الاحتلال بدأت بإنشائها بعد حصولي على ترخيص من وزارة الحكم المحلي الفلسطينية داخل الجدار باتجاه القدس عام 2011م ثم أوقفنا الاحتلال، وعام 2016م بنينا مرة أخرى حتى انتهينا من إنشاء العمارة المكونة من تسعة طوابق تضم 40 شقة سكنية تخدم الناس ميسوري الحال والأزواج الشابة ومن يقبلون على الزواج، لكن الاحتلال هدمها بقرار من محكمته الفاشية".
بذرائع مختلفة منها عدم ترخيص البناء الذي يحرم الاحتلال المقدسيين منه ويفرض ضرائب ورسوما باهظة عليهم، أصدر الاحتلال أوامر هدم لنحو 24 ألف منزل.
تقرير نشره "مركز أبحاث الأراضي" في القدس في مارس 2018، يظهر أن الاحتلال الإسرائيلي هدم 5 آلاف منزل فلسطيني بذريعة عدم الترخيص منذ عام 1967، وهجّر الآلاف من سكان مدينة القدس.
كما يفرض الاحتلال عددا من الضرائب على أهالي القدس في مقدمتها ضريبة على دخل الأفراد والشركات، وضريبة القيمة المضافة التي تحصل بنسبة 17% من قيمة المبيعات، أما ضريبة الأملاك فهي تحسب بنسبة 3.5% من قيمة الأرض، إضافة إلى ضريبة الأرنونا التي تُجبى على أساس مساحة الشقق والمحلات التجارية، حيث يحصّل الاحتلال سنويا حوالي 8500 دولار على كل 100 متر من المحلات التجارية، أدت هذه الإجراءات إلى إغلاق 300 محال تجاري من بين ألف متجر في البلدة القديمة نتيجة السياسة الإسرائيلية.
حرب شاملة
يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، إنه وبعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس، تحول المشهد في القدس إلى حرب شاملة يشنها الاحتلال على المقدسيين تشمل مختلف مناحي الحياة سواء ما يتعلق باستهداف البشر أو الحجر، وما ترتب عليه من اقتحامات يومية للأقصى، بالإضافة لعقوبات جماعية كما يحدث بقرية العيسوية التي تتعرض لهجمة غير مسبوقة واستيلاء على ممتلكات المقدسيين، لمحاربة أي شكل من أشكال الوجود الفلسطيني.
وأضاف عبيدات لصحيفة "فلسطين": "ما يحدث بالقدس حرب مستعرة يريد الاحتلال من خلالها تفكيك النسيج الوطني والمجتمعي، فالاحتلال يخشى أي تجمع وكتلة بشرية كبيرة استنادا لدروس سابقة كمعركة البوابات الإلكترونية عام 2017م التي فشل فيها".
ولفت إلى أن الاحتلال يريد أن يتحكم في حياة المقدسيين ويريد إلغاء أي مظاهر من مظاهر السيادة والوجود الفلسطينيين بالمدينة المقدسة، مستدركا: "لكن مع ذلك فشل الاحتلال في تحقيق أي إنجازات حقيقية على صعيد تهويد القدس أفشلتها الهبّات المقدسية المتتالية".
الحلقة المقدسية، وفق عبيدات، قوية متماسكة رغم كل ما يمارسه الاحتلال بحق المقدسيين من اجراءات انعكست على حياتهم المعيشية كما حدث بتشريد 100 عائلة في منطقة باب الحمص، وفرض الضرائب وتضييق الخناق، إلا أنه لم يحدث أي اختراقات على صعيد تغيير الواقع الديمغرافي، حيث يشكل المقدسيون نسبة 37%.
الخطة الفاشلة
من جانبه يقول الباحث في شؤون القدس جمال عمرو: إن "إجراءات الاحتلال مع مرور السنوات بدأت تتكشف تجاه الأقصى خاصة بعد عام 2000م، فبدأت عمليات القمع تتزايد بارتكاب مجازر بالأقصى"، مشيرا إلى أن الاحتلال ارتكب 3200 اعتداء من قبل الاحتلال على الأقصى وحده.
وأضاف عمرو لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال شكّل لجنة بالكنسيت الإسرائيلي لأجل الأقصى تختص بفرض أحكام جائرة وإبعاد المرابطين والحراس، والتدخل بمفاصل الحياة اليومية بشكل مباشر.
تنوعت جرائم الاحتلال بالقدس عبر مراحل مختلفة، وصولا لمنع الحركة الإسلامية بالداخل المحتل وحظرها ومنع حافلات "البيارق" التي كانت تسيرها الحركة للقدس، وإعلان المرابطين والمرابطات تنظيما "إرهابيا"، وتنوعت كذلك أشكال التنكيل بأهل القدس بهدم مئات المنازل وتدميرها، والكلام للباحث المقدسي.
ولفت عمرو إلى أن الاحتلال وضع هدفا بتفريغ المدينة ديمغرافيا من خلال إجراءات تنغيص حياة المقدسيين ضمن خطة "2020" هدف من خلالها إلى أن يشكل الفلسطينيون ما نسبته 11% من سكان القدس.
لكن الرقم فاجأهم ووصلت أعداد المقدسيين إلى 38%، من إجمالي سكان القدس بعدما كانت نحو 27%، فبدأ الاحتلال بإعلان خطة "2050" بما تسمى القدس الكبرى وضم المستوطنات المحيطة بالقدس كمستوطنة معاليه أدوميم، وغوش عتصيون، وإخراج نحو 165 ألف مقدسي يسكنون بمخيمات شعاف ومنطقة كفر عقب، ومع ذلك لم ينجح في إخراجهم.