فلسطين أون لاين

​هكذا يمكن للرجل نسج "علاقة حب" بين أبنائه والقراءة

...
الأصل في الثقافة هو معرفة شيء عن كل شيء
غزة/ نبيل سنونو:

ربما لا يتخيل بعض أن ثقافة القراءة غير المنهجية للكتب يمكن أن تتحول إلى "حب" عند الأبناء منذ صغرهم، وتكبر معهم على مدار الأعوام، رغم انجذاب المعظم للوسائل التكنولوجية، ومنها التصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي عبر الهواتف النقالة المتصلة بالإنترنت، وغيرها، ما قد يبعدهم عن القراءة.

وبملاحظة واقع العديد من المكتبات، يظهر أن الكثير من الكتب اعتلاها الغبار، ولم تجد مشتريًا لها منذ زمن.

ويُفرِّق الخبراء بين التعلم المنهجي في المدارس والجامعات، والتثقف الناجم عن القراءة غير المنهجية، ويعتقدون أن معظم مستخدمي الوسائل التكنولوجية لا ينجذبون إلى قراءة الكتب إلكترونيًّا؛ بقدر انجذابهم لمقاطع الفيديو، والمنشورات القصيرة، والتسلية، وما شابه.

ويقول خبير علم النفس د. درداح الشاعر: "هناك فرق بين القراءة والتعلم، فالأخير هو نشاط يترتب عليه تعديل في سلوك الإنسان في المجالات العقلية والاجتماعية والنفسية والحسية والحركية، لكن القراءة بناء فكري متراكم عند الإنسان".

ويوضح الشاعر في دردشة مع صحيفة "فلسطين" أن هذا البناء الفكري يحول الإنسان من سطحي التفكير إلى راقي التفكير، وإلى شخص ذي ثقافة كبيرة، مبينًا أنه "ليس كل متعلم مثقفًا، وليس كل مثقف متعلمًا".

الثقافة والعلم

ويُفسِّر بأن الأصل في الثقافة هو معرفة شيء عن كل شيء، أما التعلم فهو التحول من منطق الأمية إلى منطق القراءة والكتابة وما شابه ذلك.

ولما كان الشعب الفلسطيني متعلمًا؛ فالأصل أنه يقبل على العلوم والثقافة والتكنولوجيا ليجعل القراءة ثقافة للإنسان، وفق حديث الشاعر، الذي ينبه إلى أن الأجهزة الذكية والتقنيات ألغت إلى حد ما وجود الكتاب.

ويشير الشاعر إلى أن المجتمع الفلسطيني يقرأ منهجيًّا ويكتب ويتعلم، لكنه يعتقد أن قراءة الكتب على الأصعدة الأخرى غير منتشرة على نطاق واسع، وأن ذلك ينطبق حتى على بعض الأساتذة الكبار الذين يقرون بأنهم لا يلجؤون إلى الكتب إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة إليها، وهذا يعني أنهم لا يعتمدون القراءة بصفتها نظام حياة أو ثقافة معمولًا بها طوال الحياة.

وتظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2018م أن نسبة الأمية بين الأفراد في سن 15 سنة فأكثر، بالضفة الغربية وقطاع غزة؛ بلغت نحو 3%.

ويعتقد الشاعر أنه إذا كان الابن غير قارئ للكتب فهذا لا يعني أنه يقرؤها إلكترونيًّا، قائلًا: "هو لا يذهب إلى القراءة عبر الإنترنت، إذ إن مستوى جاذبيتها في هذه الحالة ضعيف مقارنة بالأفلام ومقاطع الفيديو، ومن طبع الإنسان أنه ينساق إلى ما يجذبه، وبدلًا من أن يقرأ كتبًا عن التاريخ القديم أو العظماء يلجأ إلى أمور أخرى".

واقتناء الابن الكتاب المطبوع ميزة –والكلام لا يزال للشاعر– لأن جهاز الهاتف النقال أو الحاسوب المحمول لا يكون صالحًا في كل الأزمنة، أما الكتاب فيكون في متناول اليد دائمًا، وتستفيد منه كل الأسرة، بعكس الجهاز الذي لا يستفيد منه إلا إنسان بعينه.

ويبين خبير علم النفس أن مَن يتوجه لقراءة كتاب هو إنسان حدد هدفه ثقافيًّا وعلميًّا وتنمويًّا.

وينبه الشاعر إلى أن اهتمام الأبناء أو نفورهم من القراءة يتعلقان بعوامل متعددة، منها مدى اقتناع الآباء بثقافة القراءة، فهم الأنموذج والقدوة، وإذا رأى الطفل أن أباه دائم القراءة فسيفعل الشيء ذاته.

وثانيًّا، إذا مارس الطفل القراءة يتعين على الآب مكافأته لحثه على المزيد والتوجه إلى المكتبات، وعن ذلك يقول الشاعر: "إن المكافآت تحفز الابن، فكلما أنهى تصفح أو تلخيص كتاب يكافأ، ما يجعل القراءة شيئًا محببًا إليه".

الشغف

بدوره يرجع أستاذ الصحة النفسية د. رمضان قديح مدى إقبال الأبناء على القراءة إلى مستوى الشغف لديهم، ومستوى ثقافة الوالدين، وهل تتوافر مكتبة في المنزل أم لا.

وفي حديث إلى صحيفة "فلسطين" يبين قديح أن ما يساعد الأب على تعزيز حب القراءة في نفوس أبنائه عوامل مرتبطة بهل تتوافر مكتبات جذابة في المدارس، ومجموعات تنفذ نشاطات ثقافية، وأيضًا مدى توافر المكتبات العامة، واهتمام الدولة بنشر ثقافة القراءة، على المستوى الإعلامي والوعظ الديني والمدرسي والجامعي والثقافي العام.

ويتفق قديح مع الشاعر على أهمية توفير المكافآت للأبناء، وأن يحصلوا على هدايا ضمن مسابقات قراءة، وإيجاد جو ثقافي ملائم.

لكن ماذا لو لم يكن الشغف متوافرًا أصلًا لدى الأبناء للقراءة؟، يجيب قديح عن ذلك: "يجب على الأب حينئذ اتباع نظام تعليمي معهم، ومنح امتيازات لمن يقرأ، وعرض الكتب التي قرأها عليهم ومناقشتهم فيها، وضرب الأمثلة لهم عن إيجابيات ذلك".

ويُقر قديح بالأثر الذي تركته وسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا، في زيادة نسبة من يعزفون عن قراءة الكتب.

ويتمم: "إن نشر ثقافة القراءة له نتائج إيجابية، تعود بالنفع على الوطن".