لأنهم توضؤوا بضوء القمر قبل أن يصلوا الفجر في المسجد، ولأنهم يقبلون يد أمهاتهم في الصباح، ويطلبون رضا آبائهم، ولأنهم يمسدون شعر أطفالهم في المساء، وينشدون الستر من الله، ولأنهم منشغلون بتوفير قوت يومهم، ولأنهم عشاق لوطنهم فلسطين، ويحلمون بالعودة، ولأنهم تحملوا شظف العيش مع نسبة 40% من رواتبهم كل 40 يوماً، ولأنهم ارتضوا أن يسهروا الليل لتوفير الأمن لشعبهم، جاء مجرم غافل فاقتنص حياتهم بعد أن كفرهم، ليغدر بأطفالهم، ويحرق قلب أمهاتهم.
لذلك وقفت غزة على قلب رجل واحد من عملية التفجير الإجرامية، كل غزة هتفت بصوت الوطن، نرفض المساس بالأمن الداخلي، وستظل غزة تتفاخر على المنطقة كلها بالسلامة المجتمعية والانضباط العائلي والاستقرار الأمني، إذ لم يبق تنظيم فلسطيني واحد ولا مؤسسة أهلية أو تجمع علمي أو مهني أو ثقافي إلا واصطف إلى جانب الشعب، وأدان الجريمة النكراء.
موقف أهل غزة جميعهم ضد الإرهاب يعود بالمراقب إلى أيام العدوان الإسرائيلي، حين كان الشعب الفلسطيني كله يلتف خلف المقاومة، ويواجه العدوان، وهذا الموقف يعكس عشق الفلسطينيين لوطنهم، وقناعتهم بأن هذه الأرض هي حضنهم، وأن لا وطن لهم غير هذا الوطن، وفي هذا الموقف رد على كل أولئك الذين راهنوا على كسر إرادة الشعب، وحسبوا أن الحصار والعقوبات سترتد فرقة داخلية، وتمزقا مجتمعيا، وانحلالا خلقيا، فجاء موقف أهل غزة مخالفاً لكل التوقعاتوالتقديرات.
الموقف الوطني الموحد الذي بدا من كل القوى السياسية يحتم على الجميع أن يفتشوا عن سبل تحقيق الوحدة الوطنية، وفرضها بالإرادة الشعبية، وذلك للخروج من حالة الانقسام التي تثير الشكوك، وتشجع الأعداء على الاصطياد في مياه الخلافات التي يجب أن تنتهي، وأن تحسم لصالح الوحدة الوطنية.
الموقف التنظيمي والشعبي سيشكل بحد ذاته رسالة تحدٍ للقوى الخارجية التي تشغل هؤلاء المغفلين، وتحشو رؤوسهم بالأوهام، وهذا الموقف التنظيمي والشعبي يشكل رادعاً لكثير من الشباب الذين تطاولوا في لحظة على المقاومة، وسخروا من مسيرات العودة، وبثوا الإشاعات الكاذبة، وخرجوا عن الاجماع الوطني، وحسبوا انهم يمتلكون الحقيقة وحدهم، وأن غيرهم على باطل، وهم لا يعرفون أن 15 جهازاً أمنياً يتبع لعدة دول يعمل ليل نهار على المساس بالأمن الداخلي لسكان غزة.
وكي تقطع غزة دابر الانحراف وتشويه الأفكار، وتغلق بوابة المزايدات، فإن التأكيد على غرفة العمليات المشتركة، ودورها القيادي الميداني أمر مهم جداً، مع تجريم كل عمل، ومحاسبة كل من يخرج عن هذا الاجماع الوطني، وذلك لئلا يصير الاتجار بالشعارات بديلاً عن عزيز التضحيات؛ من هنا فإن إغلاق بؤر التطرف والانحراف الفكري الخارج عن عاداتنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا السمحة مهم جداً، فمحاربة الانحراف الفكري والسياسي في هذه المرحلة لا تقل أهمية عن محاربة الصهاينة.
تبقى الإشارة إلى دور العائلة في محاربة الجريمة، و فضح وتعرية المجرمين، والتبرؤ منهم، فنحن في غزة مجتمع محافظ، يحرص الفرد على سمعته بين أفراد عائلته، كما يحرص على سمعته في المجتمع، ففي الوقت الذي يدرك بعض الشباب أن مسارهم وطريق الغفلة الذي مشوا فيه سيجر عليهم لعنات أهلهم وعائلاتهم، فإنهم سيعودون إلى رشدهم، وأزعم أن تجمع العائلات في غزة وخان يونس ورفح والوسطى والشمال لن يغفل عن هذا الدور، ولن يتوانى في الإعلان عن احتقاره واستنكاره لكل فعل إجرامي قد يمارسه المنحرفون، وهم تائهون في دهاليز الباطل.
ورحم الله شهداء فلسطين.