عند الثالثة من فجر الأربعاء الثاني من تموز (يوليو) 2014م تناول الطفل المقدسي محمد أبو خضير سحوره برفقة عائلته، ثم همّ بتناول بعض من حاجيته ليستأذن والديه لصلاة الفجر في أحد مساجد حي شعفاط القريبة، وقد بدت الأمور اعتيادية خلال تلك اللحظات، غير أنها لم تكن كذلك بعد خروجه.
مجموعة مستوطنين كانت شهية الإجرام تثور في نفوسهم، عثروا في واحدة من طرق الحي على الطفل "أبو خضير" (15 عامًا)، وتوجهوا به لغربي مدينة القدس، حيث المكان البعيد عن الأنظار.
دقائق قليلة انهالت على بيت الطفل اتصالات عدة، ارتعد قلب والده مع أول اتصال، وبدا أن حدثًا جللًا قد حصل، وبالفعل، إذ توحدت فحوى المكالمات على اختطاف مستوطنين طفله محمد في أثناء توجهه للصلاة.
سويعات قليلة حتى أعلنت شرطة الاحتلال العثور على جثة طفل محروقة عليها آثار تعذيب، وسرعان ما تبادر إلى ذهن الأهالي وعائلة أبو خضير أنَّ الضحية هو طفلهم محمد، وهو ما كان.
كان الطفل الوسيم كما يناديه أقرانه قد عاد للمنزل قبل يوم اختطافه عند الحادية عشرة ليلًا إلى المنزل، بعد أن أتم مع أصدقائه تزيين شوارع مخيم شعفاط وحاراته بأضواء الزينة احتفاء بشهر رمضان.
ومع انتشار الخبر تفقد الأهالي كاميرات المنطقة، التي سجلت بالقرب من منزل الطفل وقوف سيارة من نوع "هونداي"، نزل منها اثنان من المستوطنين، سارا باتجاه الطفل "أبو خضير" ثم أجبراه على الصعود إلى متن السيارة تحت تهديد السلاح، ثم غادرا به إلى خارج البلدة، دون أن تشفع له صرخاته عندهما.
يقول والده حسين أبو خضير: "إن الاحتلال اتصل بأحد المحامين، وأبلغني أن الجثمان يعود لطفلي محمد، ثم طلب الموافقة على تشريحه".
ويبين الأب لصحيفة "فلسطين" أنه رفض في البداية، غير أنه وافق لاحقًا شريطة أن يكون هناك طبيب فلسطيني في أثناء العملية، وبالفعل، جرى ذلك، غير أن النتيجة أثبتت أن "محمد" أُحرق وهو حي.
ويشير إلى الطريقة البشعة التي استشهد بها محمد، قائلًا: "من بعد دفنه انقلبت حياتي وحياة أسرتي رأسًا على عقب، فقد كان بمنزلة قائد البيت على صغر سنه".
ولا ينسى حسين زيارته إلى طفله قبل استشهاده بنحو ثلاثة أشهر في مدرسته، حيث أخبره معلموه آنذاك أنَّ محمد يشبه "الدينمو"، بحركته التي لا تتوقف، ويضفي جوًّا من المرح والفرح على زملائه حتى المدرسين.
ويضيف بحرقة: "حرقوا محمد حيًّا مرة، ونحن نحرق في اليوم مائة مرة"، لافتًا إلى أن قاتل ابنه المستوطن "مخادع" و"مجرم"، وثبت تخطيطه لقتل أكثر من طفل فلسطيني من القدس، وحرق أكثر من سيارة للمقدسيين.
ومع مماطلة قضائية إسرائيلية، ومحاولات إفلات من العقاب، أصدرت محكمة احتلالية في القدس في 2016م حكمًا بالسجن المؤبد و20 عامًا، على المستوطن "يوسيف حايم بن دافيد"، بتهمة حرق وقتل الطفل أبو خضير، بيد أن والد الشهيد يؤكد أن هذا الحكم لا يرقى إلى حجم الجريمة.
ويكمل حديثه: "38 جلسة في المحكمة، كل جلسة تمتد ثماني ساعات، من الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، حتى تنتفخ أرجلنا"، لافتًا إلى أنه اعترض على كون الحكم مخففًا، ودفع رسوم محكمة لهدم بيوت المستوطنين المشتركين في جريمة حرق ابنه، إلا أن قاضي الاحتلال أخبره مباشرة بأن ذلك لن يتحقق، مهما بذل من محاولات.