فلسطين أون لاين

مأساة الشتاء في غزة.. البرد يعود ليحصد أرواح سكان الخيام

...
البرد القارس يحصد أرواح ضحايا سكان الخيام في غزة
غزة/ محمد عيد:

دون ضجيج أو تحذير، عاد البرد القارس للشتاء الثالث من حرب الإبادة الإسرائيلية ليحصد أرواح ضحايا سكان الخيام في غزة الذين تزيد أعدادهم على مليون ونصف المليون نازح في خيام ومراكز إيواء تفتقر لمقومات الحياة الإنسانية وتقلبات المناخ.

بعجز وقهر وأدوات بدائية، استقبل الناجون من الإبادة الجماعية فصل الشتاء الذي هاجم منذ بدايته خيامهم بقسوة، فأغرقت الأمطار فراشهم وأغطيتهم البالية دون حول ولا قوة منهم ثم هاجم البرد ليلا أرواحهم وأجسادهم الضعيفة.

يفتقد هؤلاء السكان الذين دمر جيش الاحتلال منازلهم وأبراجهم السكنية وأجبرهم على النزوح قسرا للمناطق الساحلية، جميع مستلزمات الحياة: الإيواء وبدلائله، والغاز والمحروقات، والأغطية والملابس، والرعاية الصحية وغيرهما.

وفي شهادة حية، قالت أم الرضيعة رهف أبو جزر التي توفيت في منطقة المواصي بمدينة خان يونس إن البرد الشديد وغرق الخيمة بمياه الأمطار كانا السبب في وفاتها.

وأضافت أم رهف التي لم تتجاوز طفلتها 9 أشهر، أن رضيعتها كانت بصحة جيدة ولم تكن تعاني من أية أعراض مرضية، "قمت بإرضاعها قبل نومها .. واستيقظنا على حالة جسدها المتجمد .. لقد هاجمها البرد الشديد بقسوة وبصمت".

أما والدها فوصف وفاة رضيعته بـ"الصدمة الكبري"، وقال: "لو كان لنا منازل أو كرفانات إيواء لما ماتت الطفلة!".

ورهف هي إحدى ضحايا البرد القارس إلى جانب الرضيع تيم الخواجا الذي تقيم أسرته داخل منزلها المدمر جزئيا في مخيم الشاطئ والطفلة هديل حمدان (9 سنوات) الذي تقيم أسرتها داخل مدرسة إيواء في مدينة غزة.

وينضم هؤلاء لقائمة من 15 طفلا سجلتهم وزارة الصحة نهاية فبراير 2025 توفوا جراء البرد القارس داخل الخيام أو مراكز الإيواء.

وبفعل المنخفض الجوي "بيرون" الذي ضرب المنطقة، الأيام الماضية، غرفت جميع مخيمات النزوح المنظمة والعشوائية وتحولت إلى برك مياه وأوحال طينية، بعدما تدفقت المياه داخل الخيام التي لم تستطع مقاومة شدة الأمطار وغزارتها، فوجدت آلاف العائلات نفسها محاصرة بالماء والبرد والظلام. بحسب جهاز الدفاع المدني.

وداخل أحد مخيمات الإيواء العشوائية، تحاول النازحة إيمان السلطان إخراج المياه المتسربة من خيمتها باستخدام أدوات بسيطة، وتصف الواقع القاسي: "نعيش في خيمة مهترئة، لقد أغرقت الأمطار هذه الخيمة من جميع الاتجاهات وغمرت المياه كل الفراش والأغطية".

تحتار الأم لأربعة أطفال في اختيار مكان لأطفالها: "لا أعلم كيف سأجد مكانا لينام فيه أولادي، جميع الأغطية مبللة، المياه تتجمع أمام خيمتي وأخشى على أطفالي من الموت بالبرد".

وبعدما قضى الحاج نزار حسونة (60 عاما) ليلته الكاملة مستيقظا داخل خيمة العائلة، قال إنه لا حلول أمام فصل الشتاء إلا عبر إعادة إعمار غزة أو توفير منازل مؤقتة (كرفانات).

يضيف حسونة الذي فقد منزله في حي الزيتون: "لقد أغرق المطر الخيام والأغطية، لقد عشنا ليلتين من الرعب والخوف، نحن الكبار نستطيع تدبير أمورنا لكن ما ذنب الأطفال؟!".

ودفعت تلك الكارثة نجله "حسن" إلى الذهاب برفقة أسرته من داخل مخيم إيواء في بلدة الزوايدة إلى قضاء الليل داخل أحد أقسام مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح؛ خشية على أطفاله من الموت بالبرد.

ويتحدث حسن بقهر: "الرجال في غزة لا يستطيعون حماية أسرهم، القصف والدمار لم يبقى للعائلة منازلها، والخيام ليست حلا للمعيشة".

ويتهم الأب لخمسة أطفال المؤسسات الأممية والدولية بالتقصير تجاه كارث العائلات الغزية، وغيابها عن الحلول والاستجابة السريعة: "أين المساعدات الغذائية؟ أين الأغطية والملابس الشتوية؟" ليختم بعجز واستسلام: "إلنا سنتين في الخيام .. ماذا عسانا أن نفعل أمام هذه الكارثة؟".

وتقول الأمم المتحدة إن التدهور السريع في أوضاع المخيمات في مواجهة الأمطار يعود إلى ضعف البنية التحتية وغياب المرافق الصالحة لتصريف المياه، واكتظاظ آلاف العائلات في مواقع غير مهيّأة لتحمل الأمطار والبرد.

في المقابل، تشير تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن نسبة الخيام التي لم تعد صالحة للإقامة بلغت نحو 93 في المائة، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفاً، بينما يحتاج القطاع حاليا إلى نحو 250 ألف خيمة، و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار.