لم تتوقف الحرب على غزة لحظة، ولن تتوقف هذه الحرب ما دام هنالك محتلون غزاة، وما دامت هنالك مقاومة للأعداء، إنها الحرب الممتدة بين الطامع بخيرات المنطقة العربية كلها، والطامح إلى فرض نفسه نداً بين الأمم، وقدر غزة أن تكون رأس حربة لهذه المواجهة، لذلك فقد تصمت القذائف لحظة، وقد تختفي الطائرات عن سماء غزة لحظة، وتبتعد البوارج الحربية عن بحر غزة أميالا عدة، وقد يلوح في الأفق هدوء أو تهدئة، ولكن مقومات اشتعال المواجهة قائمة، وتنتظر عود الثقاب.
غزة تحارب معركة فلسطين الاقتصادية من خلال تحدي الحصار، وغزة تحارب معركة فلسطين العسكرية من خلال الإعداد والتجهيز، وغزة تحارب معركة فلسطين السياسية من خلال التصدي لكل أشكال التصفية والتذويب، وغزة تتصدى لمعركة فلسطين الإعلامية من خلال تفنيد الإشاعات، وترسيخ الثوابت الوطنية، وغزة تحارب معركة فلسطين الأمنية من خلال محاصرة العملاء، وكشف أساليب العدو في اختراق صفوف المواطنين.
لقد جن جنون المخابرات الإسرائيلية من غزة، وأصابهم الإرباك من صحوة رجال غزة، وفسدت مخططاتهم من قدرة أهل غزة الفقيرة المحاصرة على كشف ألاعيب وخدع رجال المخابرات الإسرائيلية، وغيرها من أجهزة مخابرات سلطات عديدة في المنطقة، تفرغت بإمكانات 12 جهازا أمنيا، وقدرات دول تسعى إلى جمع المعلومات عن غزة، وعن مقاومة غزة، ولا سيما بعد الفشل الذريع الذي أصاب رجال المخابرات الإسرائيليين في خان يونس، وانكشاف أمرهم، ومعرفة أسرارهم التي كانت تضمر الشر لغزة وللقضية الفلسطينية عامة.
لقد صمت هدير المدافع حول غزة، ولكن هدير البحث عن معلومة ولو صغيرة جداً من قلب غزة لم يصمت، إنه يدوي بحجم الفشل الذي أصاب الجيش الإسرائيلي، وهو يقف على بوابة غزة عاجزاً، مستسلماً لمستقبل مجهول، لذلك راح العدو الإسرائيلي في المدة الأخيرة يلهث خلف المعلومات، ويجهد في نشر الأكاذيب معتمداً على وظيفة المنسق لشؤون المناطق المدارة الجنرال "كميل أبو ركن" الذي خصص صفحته على منصات التواصل لنشر الأخبار الكاذبة واصطياد المعلومة، وقد تمدد هذا المنسق بأذرعه الاستخبارية حتى وصلمعبر بيت حانون "إيرز"، وذلك من خلال ضابطين إسرائيليين مختصين بالإسقاط وجمع المعلومات، الأول درزي اسمه إيال سلمان، والثاني درزي أيضاً اسمه: إياد سرحان، ومهمة هذين الضابطين في المخابرات الإسرائيلية هي ابتزاز المسافرين، واقتناص المعلومة التي تساعد في رسم صورة دقيقة عن أوضاع غزة، وعن مقاومتها، وعن ناسها، وعن كيفية طعنها في الخاصرة في الوقت المناسب، لذلك يحرص هذان الضابطان الإسرائيليان على التواصل مباشرة وعبر الهاتف مع بعض المواطنين، ومع بعض المزارعين، ومع بعض الصيادين، ومع بعض التجار، ومع الراغبين بالسفر للعلاج أو الاتجار أو العمل، لتكون واجهة التواصل تقديم التسهيلات، وتمرير المعاملات، وإنجاز المهمات بسرعة، ولكن خلف هذه الواجهة الإنسانية غاية في نفس رجال المخابرات، غاية اكتشفها الشعب الفلسطيني، ورفضها كل من حاول الأعداء التواصل معه، والعبور من خلاله إلى قلب غزة النابض حباً ووفاءً لفلسطين ومقاومتها.