ساعات قليلة على افتتاح العام الدراسي الجديد؛ فكل عام وأنتم بألف خير وتوفيق ونجاح، ومع العودة عودة لشكوى الأمهات وضجر أبنائنا الطلاب والطالبات، فكثير منهم ينطبق عليهم القول كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
والسؤال الأهم: لماذا هم كذلك؟، ومن المسؤول عن حالة الرفض والتذمر لدى الأبناء؟، واللافت للانتباه أن الكبار والصغار المتفوقين وغيرهم يمارسون السلوك ذاته، فهل الأسرة هي سبب في ذلك أم المدرسة بكل مكوناتها أم الطلاب أنفسهم؟
الحقيقة أن الجميع مشترك في تعزيز هذا السلوك وتعميق الفهم لديهم؛ فبداية الأسرة تركت الأبناء خلال إجازة طويلة يمارسون قتل الوقت بتفنن دون متابعة أو استفادة حقيقية خلال الإجازة، ولم تتدخل في تعديل سلوك أو إكساب مهارة إلا من رحم ربي، نوم ساعات طويلة بل جعلوا ليلهم نهارهم، قضوا ساعات طويلة على المحمول وتطبيقاته، أليس من الطبيعي ألا يرغبوا في العودة؟؛ فالنفس تميل للراحة والمتعة والهوى.
وإننا أشبعناهم شكوى ومللًا منهم ومن وجودهم وشجارهم في البيت، وبدل أن نعلمهم كيف يتحاورون وكيف يختلفون اكتفينا بأن نلعن اليوم الذي بدأت فيه الإجازة إلى درجة أننا زرعنا فيهم أن العودة للمدرسة خلاص من مشكلاتهم، وأوحينا لأطفالنا الصغار أن المدرسة ذلك الغول الذي يريح الأسرة من ضجيجهم، وصراخهم.
والآن في لحظة واحدة نريد منهم الجد والاجتهاد والتفوق وتعويض ما سبق، من أخفق أو لم ، وكأن الأمر فقط بإلقاء الأوامر والتعليمات، وسيكون ما يريدون، الحياة ليست كذلك، والعودة أيضًا مرفوضة بهذا النمط وهذا الأسلوب.
لذلك حري بنا البدء من الآن في إعادتهم إلى الحياة الطبيعية، حياة الجد والاجتهاد بعيدًا عن الخمول والاسترخاء أولًا، ثم مناقشة مسببات عدم تميزهم، ووضع قواعد وأنظمة تعالج القصور وعدم التميز بموضوعية ومنهجية تلائم قدرات الابن وإمكاناتنا دون مقارنة بأحد، حتى لو كان أخًا أو قريبًا، لكن عليكم أن تبدؤوا بضبط الساعة البيولوجية لهم وإرجاعهم إلى السلوك الإنساني الطبيعي بأن نجعل النوم ليلًا ومبكرًا والاستيقاظ مبكرًا أيضًا، وتركهم يختارون أمتعتهم بأنفسهم وفق أذواقهم ورغباتهم قدر الإمكان، فليختاروا لون حقيبتهم وشكل أقلامهم وملابسهم، ساعدوهم من بعيد، لكن لا تجبروهم.
ابدؤوا عامكم مع أبنائكم بتجديد النية للتفوق والتميز، وأنهم قادرون على ذلك، أخبروهم أن ذلك يُدخل السرور والفرحة على قلوبكم، أخبروهم أنكم فخورون بهم وأنكم تحبونهم حبًّا شديدًا، وإن كانوا مقصرين قبل ذلك، عززوا الثقة في نفوسهم.
أما الأبناء الجدد في رياض الأطفال فرافقوهم أول يوم تسجيل، وامكثوا معهم ساعات في الرياض، وتحدثوا معهم أن أمهم في يومها الأول كانت سعيدة بالروضة، وهي بداية المشوار لتصبح أمًّا أو معلمة أو مهندسة، وكذلك والده، أو من يحب من أهله: أعمامه أو أخواله، انتظريه على باب البيت على الناصية، واجعلي من حضوره مهرجانًا، وأنك مشتاقة له، وأن البطل قد عاد وحده دون خوف أو وجل، هكذا تبنى النفوس وتعزز، وتربى الأجيال وتزرع الثقة وتغرس، ودمتم سالمين وكل عام وأنتم عنوان تفوق وتميز.