فلسطين أون لاين

قبل 50 سنة

عندما أحرق "دينيس روهان" أولى القبلتين بـ"بنار الصهيونية"

...
الأسترالي دينيس مايكل روهان الذي أحرق المسجد الأقصى
القدس المحتلة-غزة/ نبيل سنونو:

وطئت قدما دينيس مايكل روهان، الذي وصف بأنه "سائح أسترالي مسيحي"، مدينة القدس المحتلة في 20 يوليو/تموز 1969، ولطالما تجول في المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وحاول أن يخطب ود الموجودين فيه مدعيًا أنه يسعى إلى التصوير فقط، لكن الوصف الأجدر لروهان كان أنه "صهيوني"، ليس له نية سوى إحراق الأقصى.

روهان، الذي عمل في قص صوف الأغنام في أستراليا، وانتمى لواحدة من الكنائس الإنجيلية المسيحية، كان يؤمن بأن "عودة المسيح" تستوجب ما يسميه "عودة بني إسرائيل إلى أرض فلسطين وبناء الهيكل الثالث" المزعوم.

وجد الأسترالي، الذي وصل إلى فلسطين في فصل الربيع من العام المذكور، في نكسة العرب سنة 1967 "فرصة" له، وكثيرًا ما ردد لسانه أمام معارفه بأنه "مبعوث الرب" لهدم الأقصى.

وقبل انتقاله إلى القدس المحتلة، انضم روهان (بلغ 28 عامًا من عمره آنذاك) إلى أحد الكيبوتسات الزراعية بالقرب من مستوطنة نتانيا، وهو كيبوتس "مشمار هشارون"، حيث تعلم العبرية هناك، وكان يشارك في أعمال الزراعة والأعمال في الكيبوتس، ويعبّر بين الحين والآخر أمام الآخرين عن أفكاره الدينية وعن شعوره بأنه يهودي وأن مكلف بمهمة وصفها بأنها "عظيمة".

لكن روهان استأجر في سبيل تنفيذ نواياه، في فترة من 25 يوليو/تموز حتى 21 أغسطس/آب غرفة في أحد فنادق القدس، وهو فندق "ريفولي"، في شارع صلاح الدين الأيوبي، مقابل باب الساهرة في القدس، وكان مقيمًا في الغرفة رقم 107.

"ليلة ظلماء"

11 أغسطس/آب 1969، استعان روهان بفتيل وبعض من البترول في محاولة لإشعال الحريق في المصلي القبلي عن طريق أحد مداخله في الجهة الجنوبية الشرقية، بالقرب من "محراب زكريا".

في تلك الليلة الظلماء، تسلق روهان، بحسب اعترافاته لاحقًا لدى شرطة الاحتلال، إحدى أشجار المسجد الأقصى حتى لا يراه الحراس، وبعد انقضاء صلاة العشاء وخروج الناس، وفي حوالي الساعة 11 ليلًا بدأ بإشعال الحريق، ومن ثم خرج من المكان متسلقًا سور القدس جهة باب الأسباط؛ لأن أبواب المسجد كانت مغلقة في ذلك الوقت المتأخر من الليل.

ذهب روهان في اليوم التالي لتفقد المصلى القبلي، فلم يجد إلا بقايا الفتيل الذي حاول إشعاله وبضعة بقع من البترول، لسبب ما لم تشتعل النيران في المسجد ليلتها، وعندها قرر روهان التخطيط بشكل أوسع وأدق للحريق، فتوصل إلى أن منبر صلاح الدين الأيوبي سريع الاشتعال لكونه مصنوعًا من الخشب.

صبيحة الخميس 21 أغسطس/آب 1969، استيقظ روهان مبكرًا، وتوجه إلى باب الأسباط، ومن هناك إلى باب الغوانمة حيث قطع تذكرة للسياح لدخول المسجد، وتوجه إلى المصلى القبلي.

وللتمويه، شكر روهان بعض حراس المسجد الأقصى على السماح له "بتصوير المسجد"، وأكمل طريقه ماشيًا وما لبث أن بدأ بالركض بعد سماعه لصوت صراخ.

كان ذلك بعدما نفذ روهان جريمته بإخراج وشاح من حقيبته كان قد أغرقه بالبترول، وفرشه على عتبات درجات منبر صلاح الدين، ومن ثم صب فوقه المزيد من البترول والبنزين، وأشعل فيه النار بأعواد الكبريت.

وفي أثناء هربه من الأقصى ألقى روهان حقيبته قرب باب الأسباط داخل المقبرة الموجودة هناك، ومن ثم أخذ سيارة أجرة إلى المحطة المركزية حيث استقل حافلة إلى (تل أبيب)، ومنها حافلة أخرى إلى كيبوتس "مشمار هشارون" حيث اعتقل بعدها بيومين من هناك.

شبَّ الحريق في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، وأتت النيران على واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء كثيرًا، ما كان يعني أن ترميمه يحتاج أعوامًا.

النيران التهمت أيضًا منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب، وذلك عندما استعاد المسلمون بيت المقدس عام 1187م، وقد كانت لهذا المنبر الجميل مكانة خاصة، حيث إن السلطان نور الدين زنكي هو الذي أمر بإعداده ليوم تحرير الأقصى.

وما كان من سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلا أن قطعت الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأت في إرسال سيارات الإطفاء، لكن الفلسطينيين هرعوا إلى إخماد النيران بملابسهم وبالمياه الموجودة في آبار الأقصى.

حاولت تلك السلطات التنصل من المسؤولية عن الحريق، بزعمها أنه نتج عن تماس كهربائي، لكن المهندسين العرب أثبتوا أنه بفعل فاعل.

"عندما حُرق الأقصى لم أنَم تلك الليلة، واعتقدت أن (إسرائيل) ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق"؛ كان هذا تعليق رئيس وزراء الاحتلال آنذاك غولدا مائير على الموقف العربي.

ولما كانت جريمة إحراق المسجد تمثل "مخططًا صهيونيًّا"، فإن سلطات الاحتلال التي ذكرت أن شابًّا أستراليا اسمه دينيس مايكل روهان هو المسؤول عن الحريق وأنها ستقدمه للمحاكمة، سرعان ما أفرجت عنه بذريعة أنه "مريض نفسيًّا"، ويعاني انفصامًا في الشخصية من نوع "جنون العظمة"، أو ما يُسمى "الانفصام الارتيابي".

وفي تفاصيل إطلاق سراح روهان، ادعت محكمة إسرائيلية، أن روهان غير مؤهل للمحاكمة لنظرًا لوضعه "الصحي النفسي"، وأنه كان عند تنفيذ جريمته تحت تأثير أوهام وتخيلات، ولم يستطِع السيطرة على نفسه؛ على حد زعمها.

ولا يخفى، والكلام هنا لرئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الشيخ عبد العظيم سلهب، أن إحراق الأقصى على يد روهان، هو ضمن سلسلة جرائم (إسرائيل) المستمرة تجاه المسجد، مذكرًا بأن الأخيرة ارتكبت جريمة بشعة تمثلت في هدم حارة المغاربة في الأسبوع الأول لإكمالها احتلال مدينة القدس سنة 1967.

ويوضح سلهب لصحيفة "فلسطين"، أن (إسرائيل) أعقبت ذلك بحرق الأقصى الذي أتى على مقتنيات ثمينة لا يمكن أن تعوض.

وبعد عودته إلى بلاده أستراليا، توفي روهان في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1995، لكن جريمته لا تزال دليلا على نوايا "الصهيونية" تجاه الأقصى.