المحتل دمر بيوت أهالي وادي الحمص ومارس التطهير العرقي بحق سكانه، ويريد "تدفيعهم" ثمن متفجراته التي استخدمها في تفجير بيوتهم، الاحتلال يسعى إلى جر المقدسيين إلى سياسة الهدم الذاتي، لكي يخفي وجهه الحقيقي محتلًّا غاصبًا يمارس الدمار والقمع والتنكيل والتهجير والتطهير العرقي، ولكي يمعن في إذلال المقدسيين وامتهان كرامتهم، الحرب بأشكالها الأخرى مستمرة ومتواصلة، عقوبات جماعية وعمليات تنكيل بأهالي العيسوية، تصل إلى حد تهديد أسرة الشهيد محمد عبيد ومنعها من إقامة وليمة طعام على روحه الطاهرة، واستدعاء أطفال للتحقيق لم يتجاوزوا من أعمارهم السادسة، كما حصل مع الطفلين محمد عليان وقيس عبيد، تحت حجج وذرائع إلقاء حجارة على جيش الاحتلال ومركباته، والهدف واضح بث الرعب والخوف في صفوف هؤلاء الأطفال، وقتل روح المقاومة عندهم، ومنع أي نشاط أو فعالية في المدينة، في إطار محاربة أي مظهر وشكل من أشكال السيادة الفلسطينية على مدينة القدس المحتلة وفق القانون الدولي، وسكوت دولي وأوروبي عن هذه الممارسات القمعية، وتحديدًا الاتحاد الأوروبي الذي يعد القدس مدينة محتلة وفق القانون الدولي. بالأمس منع إقامة حفل تأبين للقائد المناضل الدكتور صبحي غوشة في مركز يبوس الثقافي، واعتدي على عدد من المواطنين الكبار في السن، منهم الحاج مصطفى أبو زهرة، والجريمة المرتكبة حضور حفل التأبين لقامة وطنية ومقدسية، وفي الوقت نفسه كانت قوة شرطية وأمنية ومخابراتية أخرى تقتحم مقر جمعية الشبان المسيحية في شارع نابلس لمنع مؤسسة تجمع قدسنا من تكريم عدد من القامات الرياضية، إنها الحرب على الوجود والسيادة الفلسطينية على مدينة القدس، فالمحتل لا يريد أن يرى أي شكل من أشكال الوجود والسيادة الفلسطينية على المدينة، ويوظف كل أجهزته الأمنية والشرطية والمخابراتية والمدنية من بلدية وتأمين وطني ووزارة داخلية وجماعات استيطانية وتلمودية لتنفيذ هذه المهمة، يريد هذا المحتل أن يسوق روايته التلمودية والتوراتية على شعبنا والعالم بالسيطرة على المدينة، وتغيير طابعها ومشهدها العروبي - الإسلامي كليًّا، لكي تصبح "عاصمة" لدولة الاحتلال، مستغلة ومستثمرة سياسيًّا قرار العنصري المتطرف ترامب وإدارته المتصهينة بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بعد نقل سفارة بلاده إليها، فوق الأرض بالاستيطان والاستيلاء على أكبر عدد من العقارات والممتلكات والأراضي الفلسطينية في مدينة القدس، وتحديدًا في البلدة القديمة وبلدة سلوان، وتحت الأرض عبر الأنفاق أسفل بلدة سلوان والبلدة القديمة والمسجد الأقصى، وفي الفضاء عبر القطار الطائر (التلفريك)، وعملية السيطرة تحقق بثلاث إستراتيجيات رئيسة: ربط بلدة سلوان تاريخيًّا بالفكر التلمودي التوراتي وعدها مدينة داود، وربط ذلك كليًّا بالرواية التلمودية التوراتية ما يسمى الهيكل المزعوم، وعد (إسرائيل) صاحبة السيادة والسيطرة على مدينة القدس، وهي المقررة في أي شيء فيها حتى التفاصيل الدقيقة، كل ذلك يرتبط مع تعامل أمني صارم للاحتلال مع سكان مدينة القدس الفلسطينيين، إذ كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عددها الصادر الإثنين أن 12 من 17 موظفًا إسرائيليًّا يناط بهم ضمن ما يعرف بـ"وحدة التواصل مع سكان القدس الشرقية" ترتيب العلاقات والاتصالات مع سكان القدس الفلسطينيين؛ هم قادمون من جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة (شاباك)، أي رجال مخابرات متقاعدون، يشكلون حلقة وصل بين ما يسمى "وزارة شؤون القدس الإسرائيلية" وما يسمى "سلطة تطوير أراضي (إسرائيل)"، فيما يخص أي مشاريع تطويرية أو مدنية تخص سكان المدينة الفلسطينيين، أي ربط الحقوق المدنية الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين، والخدمات والبنى التحتية والعملية التعليمية بقرارات وتصديقات من جهاز "شاباك" الإسرائيلي، وهذا يعني منحهم صلاحيات واسعة ومطلقة في تعيين مديري المدارس الحكومية أو ما يسمى المفتشين (المشرفين التربويين) والمناهج وغيرها، وكذلك القضايا المتعلقة بالبناء والتراخيص الخاصة به والضرائب وقضايا لم الشمل وغيرها، ولذلك القدس رغم تطبيق القانون المدني الإسرائيلي عليها هي ليست بعيدة عن الحكم العسكري، ففي الضفة تدار الأمور من طريق قادة الجيش وما يسمى منسق شؤون المناطق، وفي القدس تدار من طريق جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك).
هذه الحرب المستعرة وغير المتوقفة على مدينة القدس تتطلب من المقدسيين بكل مكوناتهم ومركباتهم الوطنية السياسية الدينية المؤسسية والشعبية؛ التوحد في إطار علني عام يقود المجتمع المقدسي، في إطار معركة الدفاع عن وجوده وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية في المدينة، إطار ليس بالبعيد عن الجسم الرسمي الفلسطيني، هذا الجسم المقيد الحركة والوجود والصلاحيات في المدينة، ولذلك من غير المفيد أن نبقى أسرى لعمل على الهمة أو ردات فعل على ما يقوم به الاحتلال بحقنا في المدينة، فهذا من شأنه أن يستنزف قوانا ويدخلنا في متاهات وصراعات جانبية، نحن في غنى عنها، صراعات تحرف اتجاه البوصلة والهدف، القدس تحتاج إلى من يعلق الجرس، وليست بحاجة إلى خطط وبرامج كثيرة؛ فهناك أطنان من الورق أعدت عن احتياجات المدينة، وفي كل مرة يجري الحديث عن الخطط القطاعية والبرامج التنموية، فقط أموال تهدر لا تعود على المقدسيين بفائدة، وهي عملية إلهاء مقصودة من الجهات المانحة أو الداعمة، من أجل امتصاص أي نقمة أو غضب شعبي مقدسي.
اليوم نحن نشهد حربًا غير مسبوقة على قدسنا وحقوقنا مع حكومة اليمين والتطرف، نشهد "تغولًا" و"توحشًا"، يهدف لمحاربة أي نشاط أو مظاهر سيادية فلسطينية في المدينة من المخيمات الصيفية للأطفال حتى رفع العلم الفلسطيني، فالمحتل يعتقد أن الحلقة المقدسية ستكسر، في حالة تشظٍّ وانقسام فلسطينيين، وحالة عربية منهارة، دول تعيش حروبها وأزماتها الداخلية، وهي أضعف من أن تقدم أي دعم جدي وحقيقي لشعبنا، وأخرى تستعين بالأجنبي والمستعمر من أجل حماية كراسيها وعروشها من عدو افتراضي، وتمد الحبل على غاربه للتطبيع العلني والمشرعن مع المحتل، ومشاركة أمريكية مباشرة في العدوان على شعبنا، تفكك وتشطب قضيته، ولكن في أرض الواقع وبالملموس ثبت أن الحلقة المقدسية عصية على الكسر، وهي قادرة على الصمود والمجابهة بإمكاناتها الذاتية ووحدتها وصلابتها، مهما اشتدت الحرب عليها.