هي ذكرى الوجع؛ ولا وجع غيرها، إنها النكبة الفلسطينية التي كانت بمثابة فتح بوابة الألم والأحزان والسقم على الفلسطينيين، وحلقة من الوجع المستمر غير المنتهي للحظة واحدة في صفوف اللاجئين في كافة أماكن تشردهم، والذين كانوا الضحية الأولى لهذه النكبة.
ذكرى أليمة، شدد عبرها مسؤول ملف اللاجئين في حركة "حماس" ياسر علي، على أن الشعب الفلسطيني اللاجئ في كافة أماكن وجوده وشتاته، لن ينسى أو يغفر أبدًا لمن تسببوا في نكبته وتهجيره عن أرضه.
علي في حوار صحيفة "فلسطين"، قال: إن "بريطانيا والتي كانت المحتلة لأرض فلسطين، كانت الداعم الأول لهذه النكبة، وقد سهلت إقامة دولة الكيان (إسرائيل) على أنقاض أرض فلسطين التاريخية، وهو ما أسفر عن تهجير الفلسطينيين بعد ذبحهم وقتلهم في عشرات المجازر الحية التي وثقها التاريخ".
وأضاف: "كل ما أفرز بحق الشعب الفلسطيني عبر النكبة من آلام وعذابات، سببه بريطانيا، وقوى غربية حليفة، شعبنا لن ينساه"، مشيرًا إلى أن ذاكرة شعبنا ليست قاصرة مطلقًا، ويتذكر ويعي جيدًا ما الذي أوصله للحالة التي يعيشها من شتات.
بالقول والعمل
وذكر علي أن الاحتلال المغتصب لأرض فلسطين، ومنذ اليوم الأول لاحتلاله، اعتمد على مقولته الشهيرة "الكبار يموتون، والصغار ينسون"، وذلك بعد تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من بيوتهم وبلداتهم، غير أن الشعب الفلسطيني اللاجئ أثبت بجدارة عكس هذه المقولة بـ"القول والعمل".
ونبّه إلى أن سنوات طوال تمر على عمر النكبة، وما زال صغار اللاجئين قبل كبارهم، يذكرون فلسطين، ولا يقبلون بأي ثمن غير فلسطين، وأن معظم الأجيال التي ولدت حتى بعد النكبة تحلم بالعودة وكنس الاحتلال.
وأوضح أن الأجيال التي اعتمد الاحتلال على نسيانها، هي الأكثر إصرارًا، والأكثر اطلاعًا على قضايا فلسطين، والأكثر تمسكًا بشرعية حق العودة، وأن لا حق لأي كائن كان أن يمتلك ما ليس من ممتلكاته وحقه.
وتابع: "أثبت الفلسطيني أنه مهما ابتعد عن أرض فلسطين، وتغرب، وامتلك من الجنسيات الغربية والعربية، فإنه لا يسقط حق العودة، بصورة فردية أو جماعية"، مشددًا على أن تحرير فلسطين وعد رباني يؤمن به الجيل أنه سيأتي طال الزمان أم قصر.
ولفت علي إلى أن النظرية الغربية والإسرائيلية اعتمدت على محورين مهمين في إلهاء الفلسطيني وتشتيته وإبعاده عن مجرد التفكير ببلاده وحق العودة، وما حل به من نكبة وضياع، عبر البوابة الأولى المتمثلة في إضفاء أجواء العيش الاقتصادي والاستقرار عليه، وأخرى في إضفاء أجواء التضييق والخنق والقتل وغيرها.
وأردف: "كل هذه النظريات فشلت فشلًا ذريعًا, فلا الفلسطيني بهنائه واستقراره وسلامه نسي حق العودة، وأرض فلسطين، ولا حتى في وقت عسرته وضيقه وحزنه وبؤسه نسي أيضًا، بل من وسط الركام والألم نادى بالعودة".
مأساته ونكبته
وأكد علي أن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى من يذكره بمأساته ونكبته، وهو يريد أن تكف اليد الآثمة عنه، وأن تغدو الأمة العربية والإسلامية داعمًا وسندًا له, وألا تكتفي ببعض الأنشطة المرتبطة بالمناسبات عن قضية فلسطين.
وقال: إن النكبة الفلسطينية باتت في أيامنا نكبات متتالية، وصار حق العودة حقوقًا، مشددًا على أن هذه النكبات هي امتحان حقيقي، سيثبت الفلسطيني أنه قادر على تجاوزه، وأن المشاهد التاريخية تثبت ذلك.
وأضاف: "من سوء حظ الاحتلال أنه احتل أرض فلسطين، وهجر شعبها، فمن وسط الضعف ينهض هذا الشعب الفلسطيني ويزداد قوة"، مؤكدًا أن الوعد الرباني المقدس لتحرير فلسطين هو وعد حتمي في صدور اللاجئين.
وعبر علي عن أسفه لأن تغدو الأمة العربية والإسلامية في ضياع داخلي، كلٌ يهتم بشؤونه الداخلية، ودون اكتراث للقضية المركزية للأمة وهي فلسطين، فيما أن بعض دول هذه الأمة تحاول إرضاء الاحتلال للحفاظ على كرسي عرشها.
وبين أن ذكرى النبكة تطل إلى جانب الانشغال العربي في قضاياه المحلية، وسط تراجع مبرمج وممنهج للمؤسسة الدولية "الأونروا" عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين، وأن جهات سيادية عليا مطلعة أخبرت مسؤولين فلسطينيين في لبنان أن دور أونروا سينتهي بما لا يتجاوز 8 سنوات من الآن.
وأكد علي وجود مخطط واضح لإنهاء الأونروا، والتي تعد المنظمة الشاهدة على النكبة الفلسطينية، مشددًا على أن إنهاء أونروا هو مصلحة أولى ورئيسة لدى الاحتلال وأعوانه من بعض الدول الغربية، لإنهاء حق العودة نهائيًا.
هي الأخطر
وأشار إلى أن أونروا ومنذ بداية العام كمثال لها في لبنان، عمدت إلى تقليصات هي الأخطر لها في ملف الاستشفاء أو الصحة، وقد تواصلت الاحتجاجات والفعاليات الشعبية إلى أن وصل الأمر لنقطة حوار مع أونروا، وأن هذا الحوار إن لم يفلح في الوصول لإفرازات تتجاوب مع مطالب اللاجئين فإن برنامجًا تصعيديًا فلسطينيًا سيجد طريقه بصورة مستمرة ضد الوكالة.
وفي السياق، شدد علي على أن الفلسطينيين في الشتات يعملون على نقش ذكرى النكبة واستمرار فعالياتها ودون انقطاع، وعدم الاكتفاء بإحياء موسمي لذكرى النكبة في الخامس عشر من مايو/أيار من كل عام.
ودعا إلى إيجاد ناظمة من تحالف إستراتيجي موحد في مضمار عمل النكبة الفلسطيني، وذلك للابتعاد عما هو عمل فردي قد يشوبه القصور، أو الضعف، منبهًا إلى إمكانية أن ينقل الفعل الرسمي قضية اللاجئين إلى المحافل والمؤسسات الدولية.
وقال علي: إن المجهود التكاملي لا بد وأن يتم وسيَّما أن أرقام اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات باتت ما بين ستة إلى سبعة ملايين لاجئ، وفي ظل تتابع النكبات واحدة تلو الأخرى، وتهجير المعظم الفلسطيني من سوريا.
وختم مسؤول ملف اللاجئين في "حماس" حديثه قائلًا: إن "اللاجئين الفلسطينيين في ذكرى نكبتهم، يرون أن الطريق الأقصر لعودة الأرض وإرجاعهم إليها هي مقاومة المحتل الإسرائيلي، ودعم الانتفاض في وجهه، ولا سيما ما يجري في انتفاضة القدس".