الفلسطيني يكره الفساد، ويحتقر الفاسدين، لذلك لن تجد فلسطينياً واحداً يدافع عن فاسد، ولكن تجد كل الفلسطينيين قد أجمعوا على موقف واحد مما يذاع عن فساد في المستويات العليا في الأونروا، لقد تحقق الإجماع الفلسطيني على ضرورة عدم الربط بين ما يشاع من اتهام بفساد أفراد وبينالمؤسسة الدولية التي ترعى شؤون اللاجئين الفلسطينيين، هذا الرفض الفلسطيني الشعبي والرسمي يجب أن يترجم إلى مواقف عملية، وعدم الاكتفاء بالتحليل والشرح والتفسير والتحذير والرفض اللفظي.
لقد ربط الكثير من الكتاب الفلسطينيين والمفكرين بين المخطط الأمريكي لتصفية الأونروا، وبين تسليط الضوء على فساد بعض موظفي الأونروا في هذه المرحلة بالذات، وهنالك قناعة لدى الجميع أن هذا الفساد مصطنع، ومرتب على طريقة الإثارة في الأفلام الأمريكية، ولا سيما أن اثنين من المتهمين بالفساد، واللذين استقالا من وظائفهم العليا في الأونروا، لهم ماضٍ تحوم حوله الشبهات، إذ سبق أن عمل الفلسطيني حكم شهوان، والذي يحمل الجنسية الأمريكية، في العراق تحت ظلال الاحتلال الأمريكي، وخدم تحت إمره الجنرال لأمريكي برايمرز، والأمر نفسه ينطبق على الأمريكية نائب المفوض العام ساندرا ميتشل.
المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" يؤكد أن المنظمة تواجه هجمات مالية وسياسية حادة، وأن الاتهامات الحالية اصبحت شخصية بحق المفوض العام، ويؤكد في الوقت نفسه أن العام الدراسي الحالي لمدارس الأونروا سيكون في موعده، وفي هذا التصريح إشارة واضحة إلى خيوط المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي بدأت بالتحريض الإسرائيلي في الأمم المتحدة، ثم الضغوط السياسية الأمريكية ضد الأونروا، ثم تلتها الضغوط المالية، والآن وصلت إلى الطعن في النظام الإداري والقيادي للمؤسسة الدولية.
الهجوم على الأونروا لم يبدأ من خلال التركيز على ملفات الفساد، وإنما سبق ذلك اجتماع مجلس الأمن في 22 أيار (مايو) الماضي، حين طالب المندوب الأميركي في الأمم المتحدة جيسون جرينبلات، بتفكيك "أونروا" على أن تنتقل مهامها إلى الدول المضيفة، وأزعم أن نقل المهمات إلى الدول المضيفة هو صلب صفقة القرن التي تعتمد التصفية والتوطين للاجئين الفلسطينيين.
الفساد موجود في كل مكان وزمان، وموجود في مكتب رئيس وزراء إسرائيل، وموجود في مكتب الرئيس الأمريكي ترامب الذي يخضع للتحقيق، ولن يكون موظفو الأونروا استثناءً، وقد بدأ تسليط الضوء على ملف الفساد في الأونروا من خلال نادين قدورة، موظفة عربية تمت إقالتها قبل فترة، فأرسلت رسالة بما لديها من اتهامات بالفساد إلى سكرتير الأمم المتحدة، وتقول نادين في صفحتها أنا امرأة عربية حرة، ومال المؤامرات على وطني العربي لن تمر من خلالي.
ومع ذلك، فإن فساد بعض موظفي الأونروا وإن تحقق فلا يعني فساد الدور الإنساني الذي تقوم به الأونروا، ولا ينقص من تأثيرها الإيجابي على حياة اللاجئين، لذلك فلا يكفي أن يطالب عضو اللجنة التنفيذية أحمد أبو هولي بأن تستمر الدول المانحة والممولة لـ (أونروا) في دعمها للوكالة، ولا يكفي أن يدعو هولندا وسويسرا إلى إعادة النظر بقرار تعليق مساعداتهما المقدمة لـ (أونروا)، وإنما المطلوب هو دعوة اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى اجتماع عاجل، لبحث القضية من جذورها، واتخاذ موقف فلسطيني جامع، كذلك لا يكفي أن تصف وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية التسريبات الاعلامية التي تهاجم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بأنها تتماهى مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية، فهذا الوصف تحدث به الكتاب والمفكرون، المطلوب مواقف رسمية، وعلى الأقل، دعوة جامعة الدول العربية لبحث الأسباب، وتحميل رسائل رفض لسياسة سويسرا وهولندا، على أن يتزامن ذلك مع صرخة رفض تخرج من مخيمات اللاجئين، تهشم زجاج الهدوء والانتظار الذي يحتمي خلفه المتآمرون على القضية.