في غمرة التّوتر الذي تسبِّبه ما باتت تسمى "مسألة غزة" لصانع القرار الإسرائيلي، فأصبحت كحبة البطاطا الساخنة، لا قادرة إسرائيل على ابتلاعها، ولا على لفظها، حتى يتخيل أن أدراج المؤسسة العسكرية والأمنية فرغت من كثرة الاقتراحات والسيناريوهات، بين توجيه ضربة عسكرية، أو استكمال الانفصال عنها، أو تسليمها لمصر، أو إعادة السلطة الفلسطينية إليها.
لكن آخر هذه المقترحات، عبّر عنها الرئيس الأسبق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال دان حالوتس، حين طالب قبل أيام بإيجاد نهاية للصراع الدائم مع حماس عبر فتح حوار مباشر معها، لأن الحوار يكون بين الأعداء، وإيجاد واقع في غزة يجعل لدى حماس ما قد تخسره، لأنها اليوم ليس لديها ما تخسره.
لا تعدّ دعوة حالوتس للحوار مع حماس مُنْبَتّة عن سابقاتها من الدعوات والمطالبات، بدليل وجود دعوات إسرائيلية متزايدة بضرورة الشروع في حوار مع حماس لحل المشكلة القائمة في غزة، فالعديد من الإسرائيليين يعتقدون أنه في حال أصبح لدى حماس ما قد تخسره في القطاع، فإنها ستدخل في مفاوضات مع إسرائيل.
يحاول الإسرائيليون أصحاب هذه الدعوة، ومنهم حالوتس نفسه، شرح مقصدهم بعبارة "ما قد تخسره حماس" مثل المشاريع الكبيرة، كمتنزه طويل على شاطئ البحر، ومقاهٍ ومطاعم، وتحويل غزة واحة اقتصادية، وإقامة ميناء بحري ومطار جوي ومحطة لتوليد الطاقة توفر الكهرباء لكل القطاع، بمساعدة إسرائيل ودول العالم، بحيث تتحول كلها إلى مواقع ومقدرات محظور أن تفقدها حماس، أو تخسرها، لأن مزيدا من الحروب بين الجانبين سيعني تحقق أضرار كبيرة، وبالتأكيد خسائر باهظة.
السؤال الذي يسأله الإسرائيليون لأنفسهم: لماذا لم يحصل ذلك حتى اليوم؟ مع أنه يمكن إنفاق مليارات الدولارات على غزة، ورصد حسابات مصرفية في بنوك خاصة في دول العالم، وبهذه الأموال يمكن إنعاش الحقول الزراعية وبناء المدارس والكليات والمستشفيات، وإقامة منشآت سياحية، وتجارة واستيراد وتصدير.
يستدل أصحاب دعوات الحوار مع حماس بما هو حاصل في إسرائيل من المقدرات التي يمكن لها أن تخسرها في أي حرب، كالمدن الكبيرة والمناطق الصناعية المزدحمة، والمصانع والآلات والمواد الخام، وموانئ أسدود وحيفا وإيلات، ومطاري بن غوريون ورامون، كلّ ذلك يجعلهم يواجهون في النهاية خطرًا أن يخسروها في أي حرب أو مواجهة عسكرية.
لا نعتقد لحظة واحدة أن دوافع الدعوات الإسرائيلية للحوار مع حماس حباً في سواد عيون قادتها، وخضوعا لمطالبها، ولكن لأنهم يعلمون جيدًا أن وضع غزة صعب للغاية، ويجب إيجاد حلول عاجلة له بعيدا عن الحلول الدامية الناتجة عن الحروب والخراب والدمار، لأن من يفكر من الإسرائيليين بخوض حرب مع حماس لابد أن يأخذ بعين الاعتبار أنها ستسفر عن وقوع ضحايا مدنيين، لأنه لا يمكن التفريق بين حماس وسكان القطاع، وحينها ستبث هذه المشاهد على شاشات التلفزة العالمية.
وفي حال أضفنا على تلك الخسائر حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي حساس جدا تجاه سقوط القتلى في صفوفه، والجرحى والأسرى، فسيكون من الأهمية بمكان أن تفكر إسرائيل في مسار آخر خاص بغزة، مسار آخر تماما، ومنها الدخول في حوار مباشر أو غير مباشر مع حماس.