أحياناً تمر علينا كثير من الأحداث التي نتفاعل معها ، لكننا لا ندرك مدلولها وسننها التي أبرزها الكتاب الخالد القرآن الكريم .
على سبيل المثال تمر علينا أخبارالسيول وبعض الحرائق والأعاصير، لكن لا ندرك أين موضعها من كتاب الله سبحانه وتعالى .. أو بعبارة أخرى كيف نفهم هذه الأحداث التي تمر بنا من خلال كتاب الله سبحانه وتعالى .
نقف اليوم مع آية المكر في سورة النحل لما تحمله من أسرار سننية عظيمة ، يقول الله سبحانه وتعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (47) [ النحل ]
أولاً : تحليل عام للآية .
هذه الآية تهديد لكل أهل المكر في الأرض ، بأنهم ليسوا بمأمن من مكر الله بهم ، وقد بينت الآيات عدة أشكال من العقوبات كلها من العقوبات الماحقة المباغتة إلا واحدة ... أول هذه العقوبات هي الخسف بالناس من تحت أقدامهم .. والخسف من العقوبات الماحقة المفاجئة ... العقوبة الثانية جاءت لتشمل كل عقوبة مباغتة لا تخطر على بال الإنسان بل تأتيه حتى من خارج دائرة شعوره وتصوراته ( من حيث لا يشعرون ) إنها تلك الضربات التي لا تخطر على بال .
أما العقوبة الثالثة فهي تلك العقوبة المباغتة حتى في لحظات الأمن سواء في تقلبهم في نومهم ... أو تقلبهم في الحياة ..
أما العقوبة الرابعة وهي تلك العقوبة التي نعيشها يومياً خلال نشرات الأخبار ، وهي أخف من العقوبات السابقة .. لأنها أولاً تخضع لدائرة التوقعات أو دائرة الشعور الإنساني بها مع بداية حصولها .. الأمر الثاني : هي لا تأتي بغتة ، بل تسبقها إرهاصات ترشد إليها .
وهذه العقوبة عبر عنها القرآن الكريم بقوله ( أو يأخذهم على تخوف ) التخوف لها عدة معاني منها الإنقاص من الأشياء لديهم سواء على مستوى الأموال أو على مستوى الأشخاص لكنها ليست عقوبة ماحقة ، بل تأخذ شيئاً وتبقي أشياء .
المعنى الثاني للتخوف هو أنها عندما تبدأ إرهاصاتها يبدأ خوف الإنسان من نتائجها النهاية .. ويعيش حالة تخوف دائمة مع دوامها بما يترتب معه إنقاص ماله أو بعض أهله ...
إذاً العقوبة الأخيرة مغايرة للعقوبات السابقة المفاجئة والماحقة والتي لا تبقي ولا تذر ... أما هذه العقوبة فهي تنقص مما لدى الإنسان ولا تنهيه أو تدمره بالكامل .. إنما تأخذ منه الأشياء والقدرات والإمكانات بالتدريجي .. لذا لأن هذه العقوبة هي الأهون والأيسر، ويمكن للإنسان أن يتعامل معها ويأخذ بعض احتياطاته منها لذا قال الله في نهاية ذكرها ( وإن ربكم لرؤوف رحيم ) فتبسيط هذه العقوبة والتخفيف من آثارها من نتيجة ماحقة إلى نتائج جزئية يعتبر شكلاً من أشكال الرحمة والرأفة الإلهية بالبشر بإعطائهم فرص أخرى للنجاة .
فسنة الأخذ على تخوف أو سنة الإنقاص والانتقاص مما لدى الإنسان من خيرات ونعم هو شكل من أشكال العقوبات الإلهية لكنها عقوبة مخففة من باب الرحمة الإلهية .. وهذه السنة الإلهية نراها يومياً عبر شاشات التلفاز من خلال السيول والفيضانات والأعاصير التي تنقص من المال وتؤثر قليلاً على الإنسان وتقلل من درجة رفاهيته وتذهب أجزاء من ماله الذي جمعه ..
فنتائج هذه الضربات أو العقوبات الجزئية كله يرشد إلى عقوبة ( أو نأخذهم على تخوف ) وذلك من باب الرحمة الإلهية بإرسال الإنذارات قبل وقوع العذاب المباغت الماحق ..
لكن لماذا هذه العقوبات الجزئية ، الآية بينت أنه من باب الرأفة والرحمة .. لأن عذاب الله وعقوباته الأخرى فيها وصفان مخيفان : الأول كونه مباغتاً أي يأتي فجأة وخارج دائرة الشعور الإنساني .. الثاني : انه سريع وماحق أي يمكن في ثواني يحصد زلزال الآلاف ..
فهذه طبيعة العقوبة الإلهية ؛ لذا جاءت عقوبة التخوف للإشارة إلى تلك العقوبات الجزئية التي تنقص من النفس والمال وتترك الحسرة في القلب لتكون كإنذارات بين يدي العقوبة الماحقة المفاجئة .
يتبع ......