سنة 1925 كان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز50 ألفاً، هؤلاء القلة أقاموا لأولادهم في فلسطين جامعة تحت اسم الجامعة العبرية، كانت مركز التحريض والتأطير والتنظيم والتعليم والأبحاث والدراسات التي أسهمت في طرد الفلسطينيين من ديارهم، وفي إقامة الدولة الغاصبة سنة 1948.
الجامعات في الدول المتقدمة واجهة الدولة، وعنوان التطور والارتقاء، لها هيبة ومكانة وتأثير في حياة المجتمع، ولها استقلاليتها وميزانيتها ومراكزها البحثية، وهي مكون رئيس من مكونات المجتمع الذي ينظر للجامعة بإجلال، ويتعامل باحترام مع كل ما يصدر عنها من شهادات وقرارات وأبحاث وتوجيهات.
على مستوى العالم تتصدر الجامعات الأمريكية والبريطانية أفضل 10 جامعات على مستوى العالم، أما على مستوى الشرق الأسط فتتصدر الجامعة العبرية حتى الآن، وتتقدم بأسف على كل الجامعات العربية، بل إن هنالك ثلاث جامعات إسرائيلية تتصدر أفضل 100 جامعة على مستوى العالم، ولهذا الترتيب معانٍ كثيرة، ودلالات تأخذنا إلى عدد الجامعات الأفضل على مستوى العالم، لنجد إيران وتركيا تتصدران العدد الأكبر في الجامعات المميزة على مستوى الشرق الأوسط، في حين تتصدر مصر الدول العربية في العدد، إذ بلغ عدد المعاهد والجامعات المتقدمة في مصر 19 جامعة ومعهدا، وفي الجزائر هنالك 6 جامعات ضمن 1250 جامعة على مستوى العالم، وفي المغرب 4 جامعات، وفي الأردن 4 جامعات، ولا ذكر لفلسطين وجامعاتها ضمن هذا المستوى المتقدم.
أما على المستويات الأقل درجة فقد حصلت جامعة بير زيت على ترتيب 1606 بالقياس إلى المستوى العالمي، وهي الأولى، في حين حصلت الجامعة الإسلامية في غزة على الترتيب الثاني، وتليها جامعة النجاح الوطنية، ثم جامعة القدس، رغم أن الجامعة الإسلامية قد ذكرت ضمن أفضل 100 جامعة على مستوى الوطن العربي.
حال الجامعات الفلسطينية لا يطمئن، ولا سيما مع ظهور عدد من الجامعات التجارية، جامعات تنافس على جمع أكبر عدد ممكن من الطلاب بهدف جمع المال، ولا يعنيها كثيراً مستقبل الطالب أو مستقبل الثقافة، ولا يعنيها مستوى الجامعة بالقياس إلى الوطن العربي أو العالم الخارجي، جامعات توالدت قسرًا، وفي ظروف استثنائية، وراحت تضخ آلاف الخريجين الباحثين عن مستقبل مجهول، وبكل تأكيد فقد أثرت هذه الجامعات بالسلب على الجامعات العريقة، فأمست غير قادرة على تسيير شؤونها المالية، وهذا ما تبين مع ظهور نتائج الثانوية العامة، حيث شرعت بعض الجامعات في غزة بإرسال رسائل إلى هواتف طلاب الثانوية العامة، فيها الاستجداء والتوسل للطالب، وهذا يعكس حجم الأزمة التي تعاني منها الجامعات، ويعكس الضائقة المالية التي يعاني منها أهل غزة.
وإذا كانت معاناة جامعات غزة جزءاً من معاناة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وهي جزء من المعاناة الاقتصادية التي سحقها قطع الرواتب والحصار وإغلاق المعابر وانعدام فرص العمل والفقر العام وتناقص الموارد، فإن الواجب الوطني والأخلاقي يفرض على التنظيمات الفلسطينية والمؤسسات الشعبية والمؤسسات الوطنية والدولية أن تفتش عن الحلول، وأول هذه الحلول يتمثل بممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية في رام الله، وحثها على استثناء الجامعات من المناكفة التنظيمية، كما حصل مع جامعة الأزهر، والعمل على توفير مقومات الوجود للجامعات، فالشرط الأول للحفاظ على الوطن هو الحفاظ على الحياة الجامعية من العوز والابتزاز والتوسل والضياع، الذي سينعكس بالسلب على مجمل القضية الفلسطينية.