لا يخفى على أحد أن لكل أمة ثقافتها، وأن ثقافتها تعبر عن هويتها، وأن التربية والتعليم تزرع في النشء هويته، وتجعلها جزءًا من كيانه ومكونات شخصيته.
نحن نعتبر الأردن الشقيق صاحب ثقافة عربية إسلامية أصيلة، وهو الأكثر تمسكًا بالتراث العربي والإسلامي بين البلاد العربية كبلاد المغرب العربي مثلا، الذي زاحمتها هناك الثقافة الفرنسية، والعادات الفرنسية. لكن المؤسف أن بلاد النشامى التي تمتد على الحدود الشرقية الطويلة لفلسطين المحتلة رأت أن تلعب بهذه الثقافة، ومناهج التربية، لعبا سلبيا، تحت مسمى مكافحة الإرهاب، بينما هو استجابة للمطالب الصهيونية.
وأرى أن خير من عبر عن رأيه واحتجاجه على هذه الإجراءات هو النائب في البرلمان الأردني (هدى العتوم) وقد نقلته جريدة فلسطين بتاريخ ٦ فبراير ٢٠١٧م، حيث قالت العتوم:
"إن التعديلات التي الأخيرة على المناهج الدراسية الأردنية تضمنت حذف جزء كبير من المحتوى الديني، المتعلق بالعقيدة وبالجهاد والمقاومة".
وقالت في مؤتمر صحفي: "إن التعديلات الجديدة أدت إلى حذف عدد كبير من المواضيع التي تحتوي على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومضامين أخرى تتعلق بالعقيدة الإسلامية والجهاد، ومقاومة الاحتلال في القدس وفلسطين. وقالت: إن نسبة المحتوى الذي تمّ حذفه من الصفين السابع والعاشر بلغ ١٧٪ من التربية الإسلامية، وتم حذف ٣٨٪ من محتوى اللغة العربية من الصفين السادس والعاشر. وأن الصف الأول الثانوي بفرعيه شهد حذف ٢٨٪ من مقررات التربية الإسلامية، كما حذف ٤١٪ من مقرر اللغة العربية بالفرع الأدبي وحده. وطالبت العتوم بالعودة إلى المناهج المدرسية لعام ٢٠١٤م مع تطويرها، والاحتفاظ ببعديها الديني والتاريخي والوطني". بينما رأت نقابة المعلمين في التعديلات مسحة (تغريية) وقد أحرق المتظاهرون ضد هذه التعديلات، أو قل التشويهات بعض الكتب المدرسية في أثناء المظاهرة.
إن ما قالته العتوم النائب في البرلمان الأردني، وما قالته نقابة المعلمين، يعبر عن مطالب الشعب العربي الأردني بكامله، وخير للأردن وثقافته العودة عن هذه التشويهات ذات الصلة بالمطالب السياسية للآخرين، وعلى أصحاب الثقافة ومناهج التعليم مراجعة المناهج الإسرائيلية التي تزرع في الطفل اليهودي التمسك باليهودية وبأرض فلسطين المحتلة، وبالهيكل، بل وبقتل العرب باعتبارهم إرهابيين وقتلة؟!
إن زعم الغرب بأن مناهج التعليم هي التي تزرع الإرهاب هو زعم باطل مائة في المائة، والغرب وأميركا وتصرفاتهم العدوانية ومعادة العرب والإسلام هو ما يزرع الإرهاب في العالم وفي البلاد الإسلامية، وجل الشواهد التي قرأتها تشير إلى أن (داعش) هي صناعة أميركية غربية، وهي ذريعة لضرب البلاد الإسلامية وتفتيتها من جديد خدمة (لإسرائيل والحركة الصهيونية). إن متابعة مطالب (إسرائيل) والغرب ليست هي الحل لمشاكلنا ومشاكل ثقافتنا، فليس في ثقافة العرب والمسلمين التشدد والتعصب والعنصرية، بل فيها التسامح، واحترام الآخر والتعاون معه، وعلينا مراجعة ثقافتنا ومناهجنا من منطلقات وطنية ودينية وتاريخية ذاتية لتحفظ هويتها العربية والإسلامية دون صراع مع الحداثة المقبولة.