قوبلت إجراءات وزارة العمل اللبنانية الأخيرة التي اتخذتها في إطار تطبيق "قانون العمل"، بحملة من الاستنكار الفلسطيني على المستويين السياسي والحقوقي، بما تلحقه من ضرر وأذى باللاجئين الفلسطينيين على طول أماكن تواجدهم داخل الأراضي اللبنانية.
وأعربت فصائل ومؤسسات عن استغرابها الشديد من الإجراءات التي تقوم بها الوزارة اللبنانية بملاحقة العمّال الفلسطينيين في أماكن عملهم والقيام بتحرير محاضر ضبط قانونيّة وماليّة بحق مُشغّليهم، تحت شعار "مكافحة العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة".
وأكدوا أنّ هذا التصرف لا ينسجم مع الموقف اللبناني الرسمي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والرافض لما يسمّى بـ"صفقة القرن"، ولا ينسجم أيضًا مع وحدة الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني واللبناني الرافض لمؤامرة التوطين، التي لا يكون التصدّي لها بالتضييق على اللاجئين الفلسطينيين، وبإغلاق أبواب الحياة أمامهم وتجويعهم.
وخلال الأيام الأخيرة بدأت وزارة العمل اللبنانية مدعومة بقوى من الشرطة بإغلاق الشركات والمؤسسات التجارية المملوكة للاجئين الفلسطينيين بالشمع الأحمر بشكل مباشر وفوري دون إنذار أو مهلة.
وكان وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان أطلق حملة لمكافحة العمالة الأجنبية "غير النظامية" في 10 /يوليو- تموز الجاري في مختلف المناطق اللبنانية تتضمن إغلاق المحال التي تشغل عمالاً أجانب بشكل غير قانوني، وتنظيم محاضر ضبط بالشركات التي تشغل العمال الأجانب من دون إجازات عمل لهم، بهدف إعطاء الأولوية لليد العاملة اللبنانية وخلق المزيد من فرص العمل لها في ظل المنافسة الناجمة عن تدفق النازحين السوريين إلى لبنان.
وأطلق عدد من الشبان والنشطاء الفلسطينيين في لبنان دعوة لجميع اللاجئين إلى حزم أمتعتهم والتوجه إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية الأحد في 28يوليو/ تموزالقادم، وذلك ردا على منع الفلسطيني من العمل والعيش بكرامة.
ورفض رئيس الدائرة الإعلامية لحركة حماس رأفت مرة هذه الإجراءات، وقال إنها تدل على وجود سياسة متبعة لملاحقة الشركات والمؤسسات التابعة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مشددا على أن إجراءات وزارة العمل اللبنانية تهدد حياة الآلاف من العمال الفلسطينيين وأصحاب المؤسسات التجارية.
وأكد مرة لـ"فلسطين" أنَّ الإجراءات اللبنانية ستؤدي حتما لمشاكل إنسانية واجتماعية واقتصادية خطيرة على الوجود الفلسطيني، إلى جانب أنها ستؤدي لتوتر سياسي اجتماعي بين الفلسطينيين والجهة اللبنانية.
وعد الإجراءات بأنها "خطوة خاطئة وجريمة سياسية واقتصادية وإنسانية بحق اللاجئين الفلسطينيين"، مطالبًا في ذات الوقت السلطة اللبنانية بالعودة مباشرة عن قراراتها، وإعادة فتح المؤسسات والشركات التي تم إغلاقها.
ودعا مرة لمنح اللاجئين حقهم الكامل في العمل وتأسيس الشركات والقيام بكل المهن المختلفة، مشددا على وجود توجه دولي باستهداف قضية اللاجئين سيمّا في لبنان.
وأضاف: "قيام السلطة اللبنانية باستهداف الشركات والعمال الفلسطينيين خطوة مباشرة لتنفيذ صفقة القرن والتخلص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".
وتأتي هذه الإجراءات الجديدة، إضافة نوعية على بنود قانون العمل اللبناني المجحفة بحق اللاجئين الفلسطينيين، والتي تحظر ممارسة أكثر من 60 مهنة، إضافة إلى مجموعة من القرارات الإدارية التي تحدد الشروط الواجب توافرها للحصول على إجازة عمل.
وأكد مسؤول مكتب الاعلام بحركة الجهاد الإسلامي داود شهاب، أن إجراءات وزارة العمل اللبنانية ووزيرها "هي حصار للاجئين الفلسطينيين في لبنان وتضييق واضح عليهم".
وقال "شهاب" خلال تصريحات صحفية: من حقنا أن نسأل عن صلة هذه القرارات بـ"صفقة ترامب"؟، أم هي محاولة لافتعال أزمة، والزج بالعنصر الفلسطيني فيها؟، وعدَّ في ذات الوقت هذه القرارات والإجراءات بأنها لن تخدم الحوار الفلسطيني اللبناني ولن تفيد أحدا سوى العدو المشترك لفلسطين ولبنان.
بدوره، قال تحالف القوى الفلسطينية في لبنان، إنه "في الوقت الذي يُثمّن فيه الموقف الرسمي للجمهورية اللبنانية الرافض لصفقة القرن الأمريكية، تطُل علينا وزارة العمل اللبنانية بإجراءاتٍ ظالمةٍ تطالُ العمال الفلسطينيين في لبنان من خلال ملاحقتهم في أماكن عملهم وتحرير محاضر ضبطٍ بحقهم وبحق مؤسّساتهم".
وأضافت القوى أنَّ وزارة العمل اللبنانية تناست انطلاق الحوار اللبناني الفلسطيني، والذي يُسعى من خلاله إلى منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة، مؤكدة أنّ هذه الإجراءات الجائرة بحق الشعب الفلسطيني في لبنان، تسيء إلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية.
وفي شأن الموقف الرسمي الفلسطيني، دعا سفير السلطة في بيروت أشرف دبور الحكومة اللبنانية لاستثناء الفلسطينيين الموجودين قسرًا على الأراضي اللبنانية من هذه الاجراءات "خاصة وأننا كلبنانيين وفلسطينيين في خضم مرحلة من الموقف والتعاون المشترك لمواجهة تبعات صفقة القرن ومشاريع التوطين".
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات في لبنان بحسب إحصاء العام 2017، نحو 174 ألفًا يعيشون في 12 مخيمًا و156 تجمعًا فلسطينيًا في مختلف المناطق اللبنانية.
وأشار مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان د. محمود الحنفي، إلى أنَّ إجراءات وزارة العمل اللبنانية "غاية الغرابة والدهشة"، من حيث مضمون القرارات وآلية تطبيقها وتوقيتها.
وأكد الحنفي لـ"فلسطين"، أن اللاجئ الفلسطيني يعمل منذ سنوات طويلة وهو جزء من الدورة الاقتصادية، وأزمته ليست طارئة، لتتخذ بحقه هذه الإجراءات التعسفية.
وأبدى اعتقاده بأن هذه الإجراءات الجديدة تهدف إلى تمرير "صفقة القرن" الأمريكية، والتخفيف من عدد اللاجئين الموجودين في لبنان، والقبول بوجود 100 ألف لاجئ فقط على الأراضي اللبنانية.