بعد اندلاع الحروب الداخلية العربية وصف بعض من العرب الحالة التي يعيشها الكيان الصهيوني بـ"الراحة الإستراتيجية"، لذلك كانت المفاجأة كبيرة لدى كثيرين بالاعتذار الإسرائيلي إلى المقاومة بعد استشهاد المقاوم محمود الأدهم.
الكيان الصهيوني لم يكن يومًا في راحة إستراتيجية منذ عام 1948م، حتى وهو يحقق أعظم انتصاراته، قد تكون فرحة شعبية تستمر أيامًا، لكنها مرحلة قصيرة، ويعود التوتر، والأسئلة عن القدرة على الصمود.
هكذا بعد عام 48، وهكذا هي الحال بعد التوسع الكبير بعد هزيمة العرب في (حزيران) يونيو 67، الكثير من المواقف تدل على أن الخوف بقي هو القاعدة، والثقة كانت استثناء تستمر مدة قصيرة فقط، بعيد ذلك العدوان حلّق رابين بالطائرة، برفقة بعض قيادة من الجيش، وقال: "أخشى أنه لن يطول الزمن حتى تفقد (إسرائيل) كل هذه الأراضي".
يعرف الاحتلال أن القوة متحركة، مهما بدت مختلة اليوم، فإنها قد تميل في لحظة تاريخية إلى الجانب الآخر، يحاول أن يُحصّن نفسه لتلك اللحظة، لكن المساحة الجغرافية ضيقة، والزمن يعمل لغير مصلحته في الديمغرافيا، والتطبيع أُمنية صهيونية لم تتحقق في ظل نظام عربي ضعيف ومتواطئ.
الاحتلال محكوم بالخوف، حين يستخدم كل قوته العسكرية، دون أن يستطيع كسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ولا الشعوب العربية التي تهتف في ملاعب كرة القدم لفلسطين وشهدائها؛ فإن الرعب يتضاعف.
زغاريد أم شهيد ستحرم جنرالات إسرائيليين النوم، الشعب ما زال على رفضه لوجود الكيان، المقاومة إذًا ليست وحدها.
يحاول قتال المقاومة في غزة، فتخرج عمليات في الضفة والقدس، العدوّ ضعيف جدًّا؛ لا يستطيع أن يخوض حربًا مفتوحة على أي من الجبهات، الغرب الذي يحميه لديه أزمات بنيوية كذلك، وقوى وأسواق ناشئة تهدد تفرّده.
راهن الاحتلال على حصار غزة لإضعاف المقاومة، فإذا الشعب يحاصره بمسيرات العودة، التي تقول إن قرانا ومدننا التي هُجّرنا منها هي حق سننتزعه يومًا، فصار العدو يطرح مساومات لإنهاء مسيرات تضرب روايته الأولى، وتفضح الأسس غير الأخلاقية التي قام عليها.
المقاومة قوية، وتعرف أنها قوية، وتدرك ضعف عدوها، لذلك تُطلق التهديدات، وتتوعد، ثم يرضخ العدوّ، الجيوش عادة لا تعتذر، هي تمثّل القوة، اعتذارها يعني انكسارًا، وفي كيان كالكيان الصهيوني قائم على الحرب والعدوان إن اعتذار الجيش لا يكون حدثًا سياسيًّا بل اعتراف بالهزيمة.