كشفت التظاهرات والاحتجاجات ليهود "الفلاشا" الأسبوعين الماضيين عن هشاشة البنية الاجتماعية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتغلغل العنصرية بين مختلف طوائفها، وهيمنة اليهود "الأشكناز" الذين تعود جذورهم إلى الدول الغربية، على مفاصل "الدولة" ومؤسساتها، وتهميش الطوائف الأخرى ذات الأصول الشرقية وغيرها.
ويحاول اليهود "الأشكناز" فرض اللون الغربي حياتيًّا وثقافيًّا على المجتمع الإسرائيلي، ما يفرض عليهم عدم التسامح مع اليهود "السفارديم" الشرقيين لمجرد الاختلاف اللغوي والثقافي حتى على صعيد البشرة، واستبعادهم عن كل دوائر صنع القرار.
ويشعر اليهود "الأشكناز" بالتفوق على اليهود الشرقيين أو اليهود العرب عمومًا، ويتفاخرون بكون الحركة الصهيونية التي أسست الدولة العبرية معظم قادتها ذوو انتماء لدول أوروبا الغربية، ما جعلهم يفرضون النموذج الغربي نمطًا للحياة في (إسرائيل)، وعلى اليهود أقرانهم المهاجرين من الدول الشرقية والعربية.
ويقول الكاتب المحلل السياسي من الأراضي المحتلة عام 1948م، إبراهيم أبو جابر: "إنَّ العنصرية موجودة بشكل صارخ بين اليهود "الأشكناز" و"السفارديم" الشرقيين، ولا يعد الأشكناز في كثير من أدبياتهم الشرقيين يهودًا أصلًا، ويرون أن انتماءهم يرجع لجماعات عرقية متخلفة ثقافيًّا وفكريًّا لغير اليهود".
ويلفت أبو جابر في حديث لصحيفة "فلسطين" إلى أنَّ العنصرية ليست مقتصرة من اليهود "الأشكناز" الغربيين فقط تجاه يهود "الفلاشا" القادمين من إثيوبيا، الذين يُطلق عليهم لفظ "كوش" أي "العبيد"، بل إن العنصرية تشمل كل من هو ذو أصل شرقي.
ويؤكد أن اليهود "الأشكناز" الغربيين فعليًّا أصحاب السيطرة والهيمنة على مفاصل دولة الاحتلال، في حين وصل التمييز العنصري تجاه غيرهم إلى حد أن يمنع "الشرقي" من الانتساب لبعض الأجهزة الأمنية الحساسة داخل الجيش، أو تبوء المناصب العليا في أي من مفاصل الدولة.
وبحسب مراقبة أبو جابر ومتابعته، لم يترأس أي من الشخصيات الشرقية اليهودية حكومة الاحتلال منذ إقامة (إسرائيل) على أنقاض فلسطين عام 1948م، يضيف: "في حقيقة الأمر ينظر الغربي إلى الشرقي في المجتمع الإسرائيلي نظرة دونية، ولا يمكن أن يجعله مسؤولًا عليه يومًا ما".
وبتوثيق أبو جابر، أقدم وزير خارجية الاحتلال الأسبق ديفيد ليفي، ذو الأصول الشرقية (المغرب) على استقالته، بعد اصطحاب رئيس حكومته في حينه إسحاق شامير، وكيل الوزارة بنيامين نتنياهو ذي الأصول البولندية، إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، وتهميشه.
فجوة كبيرة
وليس ذلك فحسب، إذ إن الخبير في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم يؤكد أنَّ اليهود "الأشكناز" في دولة الاحتلال يسيطرون إلى جانب تحكمهم بمفاصل الدولة السياسية على المرافق الصحية والإعلامية والاجتماعية.
ويلفت "علقم" في حديث لـ"فلسطين" إلى أنَّ وسائل الإعلام كثيرًا ما تطلق الهواء داخل مؤسساتها للتهكم والتندر في برامجها على اليهود "السفارديم" الشرقيين، ما يوحي بكبر حجم الفجوة بين الجانبين، والنظرة التي ينظرها الغربي إلى الشرقي.
ويضيف: "إن العنصرية في مجتمع الاحتلال تجاه الشرقيين تأخذ شكلًا هرميًّا، يكون فيه الغربيون أعلى درجة، ويؤدي هذا الشكل الهرمي إلى خضوع الشرقيين تحت معاملات تمييزية عنصرية"، مستذكرًا إحدى الحوادث الشهيرة التي ألقت فيها إحدى الموظفات العاملات أكياسًا للدم تبرع بها يهود شرقيون، في حاويات القمامة.
وينبه إلى أن التغلغل العنصري من "الأشكناز" تجاه "السفارديم" لم تخلُ منه المؤسسات التعليمية، فكثير من المؤسسات تمنع تسجيل الأطفال ذوي البشرة السوداء من الانتساب لها، في حين يعمل الشرقيون في معظم الأعمال الشاقة، ويعيشون في أحياء فقيرة وقذرة في كثيرٍ من الأحيان، في الوقت الذي يسكن فيه اليهود "الأشكناز" أحياء جديدة راقية.
وإن اليهود الشرقيين في دولة الاحتلال -كما يقول علقم- تستخدمهم السلطات الحاكمة أداة رئيسة ووقودًا في المعارك والمواجهات العسكرية، لكنهم لا يزالون يعانون تفشي العنصرية تجاههم.