ما زال كثيرون من أبنائنا يعانون الفراغ في إجازتهم السنوية الطويلة الأمد، يتأففون من انقطاع التيار الكهربي تارة، وتارة أخرى يشاكس بعضهم بعضًا ليخلقوا جوًّا مشحونًا أو كئيبًا، فالفراغ يلقي ظلاله على الأسرة بكاملها مع قلة الموارد والأماكن التي يمكن الذهاب إليها، أو ارتيادها، فهذا واقع تعانيه الأسرة الفلسطينية في غزة تحديدًا، ولا ننكره، إذن ما البديل؟، وما العمل؟
صديقي وبنيتي، إن الإجازة الصيفية مرحلة لشحذ الهمم، والتخلص من فضلات الأيام وعبء الطريق، إنّه الانتقال من روتين التعلم المنهجي المنضبط إلـى التعلم غير المنهجي وعالم الانطلاق لتكتمل شخصيتنا وتزداد جمالًا، إنه الانتقال من الإدارة الذاتية ومشكلات الحياة اليومية إلى قيادة الذات نحو استثمار الفرصة والخروج من دائرة المشكلة والضياع في تفاصيلها إلى رؤية المشكلة من خارجها والسيطرة عليها، أملًا في تحقيق مرضاة الله وبلوغ جنته بصحبة الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم)، بإعداد جيل من الشباب قادر على حمل الأمانة وقيادة نفسه أولًا ثم قيادة الأمة، ولنعد ترتيب أولوياتنا من المهم إلى الأهم، ومن الغالي إلى الأغلى، ومن الجيد إلى الأجود، ولننتقل من مربع الخداع (مربع غير المهم وغير العاجل) إلى مربع الإنتاج والنجاح (مربع المهم والعاجل).
لذا ابحث عن عمل تجد ذاتك ونفسك فيه، متطوعًا في أي مجال، بأفكارك أنت، ولا تنظر أفكارًا من أحد، كوّن مجموعتك ممن تحب ومن المقربين لك، وحددوا مجالًا للخدمة فيه، في مستشفى، في مؤسسة خيرية، في البلديات القريبة من بيتك، كن مبادرًا وتطوع في منطقتك لتزرع قيمة في نفوس جيرانك من الشبان والأطفال.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فتش بين جنباتك لتكتشف مهارة أنت مبدع فيها أو تجيدها، ولتكتشف مهارة تحتاج إلى تعزيز وتنمية، ولا تجلس خاوي اليدين، للوقت قاتلًا، ولأيامك مدمرًا، فالإجازة فرصة حقيقية للانتقال من إدارة الحياة اليومية بروتينها إلى قيادتها بإعادة توجيه البوصلة لفهم أعمق واستثمار أدق لمعاني الأشياء، فقيادة الحياة أن تجعل لنفسك هدفًا، وتمضي لتحقيقه بقدرات مطورة ورغبة معززة.
ولا تنس صديقي أن خدمة الآخرين والسعي لراحتهم بناء لذاتك وتهذيب لروحك ومساعدة لأهلك وترويج لقيمك ومبادئك، فقضاء حوائج الناس طاعة وعبادة للمولى وباب لحب الناس لا يُغلق بل يزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، وساعة بعد أخرى.
وأخيرًا أفضل طريقة لملء الفراغ في الإجازات هي تعليم لا منهجي وتطوير هواية، بعمل طوعي وخدمة لأهلك وجيرانك ونفسك، لترضي ربك وتكتسب حب وإعجاب من حولك.