نقلت قناة روسيا اليوم خبرًا عن مصدر في كتائب الشهيد عز الدين القسام بأن حكومة العدو الإسرائيلي لم تطالب عبر أي من الوسطاء بفتح قضية المفقود ابراهام منغستو مع قضية أسرى العدو منذ اختفائه، ولم يتم إدراجه ضمن ملف المفاوضات نهائيًّا".
والجندي الصهيوني منغستو هو من أصول إثيوبية التي تشهد دولة الاحتلال مواجهات عنيفة معهم نتيجة التمييز العنصري الذي يتعرضون له داخل دولة الاحتلال.
ويهدف تصريح القسام إلى هدفين الأول: التأكيد على عنصرية دولة الاحتلال حتى مع جنودها.
الثاني: تذكير المجتمع الصهيوني بملف الجنود المأسورين لدى المقاومة الفلسطينية مع دخول ذكرى معركة العصف المأكول عامها الخامس.
وكانت قد نشرت قناة i24 الإسرائيلية قبل عدة أسابيع خبرًا عن دخول وسيط ألماني على خط الوساطة بين حركة حماس و(إسرائيل) للوصول إلى صفقة تبادل أسرى جديدة، مهما كان الهدف من نشر هذا الخبر ومدى صحته، وتوقيت نشره، إلا أنه يطرح ملف بالغ الأهمية على كل المستويات، ولكل الأطراف ذات الصلة.
ما مفاتيح الصفقة؟ وهل الجنود الصهاينة لدى القسام أحياء؟ وهل البيئة الإستراتيجية مواتية لإبرام صفقة تبادل جديدة؟ وما التحديات التي تقف خلف تعطل الوصول إلى صفقة تبادل في هذا التوقيت؟
أولًا: مفاتيح الصفقة
حماس التي أسرت أربعة جنود إسرائيليين وضعت شرطًا لا نقاش فيه يتمثل في الإفراج عما يقارب 60 أسيرًا فلسطينيًّا تم الإفراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار مقابل الجندي جلعاد شاليط وأعادت (إسرائيل) اعتقالهم في انتهاك واضح للاتفاق الذي رعته المخابرات العامة المصرية، وعليه يشكل هذا الشرط المفتاح الرئيس لفتح ملف صفقة تبادل التي يديرها الرجل الغامض في حماس وكبير المفاوضين في ملف التبادل هو عضو المكتب السياسي لحماس، ونائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، مروان عيسى "أبو البراء"، هذا الرجل تربطه علاقات حميمة بجهاز المخابرات العامة المصري، وهو من أدار عملية التفاوض التي أدت إلى صفقة وفاء الأحرار برفقة الشهيد أحمد الجعبري، والتي بموجبها تم الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011م بوساطة من جهاز المخابرات المصري.
مفتاح الصفقة بالنسبة لدولة الاحتلال يتمثل في تقديم معلومات حول الوضع الصحي لجنودها، وهو ما ترفضه كتائب القسام، رغم عديد الرسائل التي نشرها القسام وتعطي مؤشرات عن الوضع الصحي للجنود المأسورين لديها.
ثانيًا: الوضع الصحي للجنود الإسرائيليين المأسورين
بتاريخ 1/1/2017م نشرت كتائب القسام فيديو في ذكرى ميلاد شاؤول أرون وتضمن مشهدًا بالغ الأهمية يتعلق بجندي على كرسي متحرك بمعنى أنه شاؤول أو غيره قد يكون مصابًا وليس قتيلًا. ولو عدنا قليلًا لحادثة أسر شاؤول والذي كان برفقة 14 جنديًا صهيونيًا في ناقلة جند تم تفجيرها وأسر شاؤول من داخلها، حيث تقول الرواية الإسرائيلية إن جميع من كان بالمدرعة قد قتلوا، وهذا يزيد من احتمالية أن مجاهدي القسام اقتحموا المدرعة بعد تفجيرها واعتقلوا جنديًا مصابًا وهذا يعزز من فرضية أن المقعد هو شاؤول أرون وليس هدار جولدن، ويبقى ذلك في إطار التحليل، أما الحقيقة الكاملة بيد المقاومة الفلسطينية وعلى (إسرائيل) دفع ثمن الحصول على معلومات كاملة ووافية ودقيقة حول صحة الجنود.
أما هدار جولدن فقد جاء بالأغنية التي نشرتها كتائب القسام عبر موقعها الرسمي بتاريخ 20/4/2017م، تدلل على أن الجنديين على قيد الحياة، فطريقة مخاطبة أمهاتهم، ومشاعر الأمهات تجاه كلمات الأغنية تدلل بأن الحكومة الصهيونية ضللتهم وكذبت عليهم من أجل حسابات حزبية ومصلحية، حتى لا يقال داخل المجتمع الصهيوني بأن نتنياهو ذهب لغزة ولم يستطع دخولها وعاد تاركًا خلفه جنديين على قيد الحياة.
الدليل اللافت على أن هدار جولدن على قيد الحياة كان في الدقيقة 2:43 من ذات الأغنية، ونص الفقرة: "وقعنا في كمين لعين أنا وبتايا ولئيل"، والجملة هنا صيغت بطريقة لا تدع مجالًا للشك بأن هدار يحدث محققيه وعائلته ومحبيه بما حصل معهم في الكمين الذي نجحت كتائب القسام من خلاله في أسر هدار جولدن وقتل من معه.
أما ابراهام مونغستو وهشام السيد فقد دخلا بأرجلهما إلى غزة، ورصدت كاميرات التصوير لحظة دخولهما القطاع، وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية لحظة دخول منغستو عن طريق الساحل.
ثالثًا: البيئة الإستراتيجية ومدى مواءمتها لإبرام صفقة تبادل جديدة
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يعاني اتهامات فساد قد تطيح بمستقبله السياسي كما راهن خصومه، نجح وبشكل لافت في تحقيق إنجازات لصالح دولته وبمساندة أمريكية روسية، فمن حدث نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولًا إلى الاعتراف الأمريكي في السيادة الإسرائيلية على الجولان، وليس انتهاءً عند عجلة التطبيع التي بدأت الدوران قبل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في انقلاب واضح على مبادرة السلام العربية التي تم إقرارها في قمة بيروت عام 2002م. وبناءً على ما سبق منحه الناخب الإسرائيلي ثقته في الانتخابات الإسرائيلية في إبريل الفائت والتي حصل فيها على 36 مقعدًا.
رغم الفوز بالانتخابات الإسرائيلية إلا أنه حسب القانون الإسرائيلي يحتاج إلى 60 مقعدًا كي يتمكن من تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وهو ما تعذر بسبب انتهازية افيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيلي بيتنا حول ملف تجنيد الحريديم، والاستراتيجية المتبعة تجاه قطاع غزة. وبناءً عليه قام الكنيست بحل نفسه وقرر الذهاب لانتخابات مبكرة في سبتمبر المقبل.
نتنياهو بحاجة ماسة لمزيد من الإنجازات لتحسن موقعه الانتخابي، وقد يكون أحد أهم الملفات التي لو حدث تقدم فيها هو صفقة تبادل أسرى مع حماس في هذا التوقيت، فهذه الصفقة كافة الأطراف ذات الصلة بحاجة لها على النحو التالي:
- (إسرائيل) معنية بعودة جنودها، لضمان تماسك المؤسسة العسكرية والرأي العام، وحاجة نتنياهو وحزبه لتسويق هذا الإنجاز لتحسين موقعه الانتخابي، والإفراج عن منغستو في هذا التوقيت قد يدحض الاتهامات بالعنصرية لـ(إسرائيل) وحكومة نتنياهو على وجه الخصوص.
- حماس معنية بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعرب، وبذلك تحقق إنجازًا كبيرًا سيسجل لها ويزيد من شعبيتها، ويؤكد صوابية طرحها، وأيضًا صفقة تبادل في هذا التوقيت ستدفع التفاهمات إلى الأمام وسيخفف من الحصار وممكن تجنيب شعبنا ويلات أي مواجهة عسكرية.
- 3. الوسيط المصري معني بصفقة تبادل تبرد جبهة الجنوب وتضعف فرص اندلاع مواجهة عسكرية على حدودها الشرقية وأثر ذلك على الأمن القومي المصري.
- الإدارة الأمريكية خاصة والمجتمع الدولي عامة معنيون بأن تكون البيئة السياسية والأمنية هادئة بما يسمح بتمرير صفقة القرن عبر سياسة الجزرة، ويحقق السلام والاستقرار والهدوء.
رابعًا: أبرز التحديات التي تعرقل الوصول إلى صفقة
هناك تحديات قد تعطل الوصول إلى صفقة لعل أهمها ما يلي:
- تمسك كل طرف بشروطه.
- حالة الاستقطاب الحاد داخل (إسرائيل) قد تؤتي بنتائج عكس المتوقع وبذلك تصبح الصفقة مادة للهجوم على نتنياهو وإظهاره من قبل خصومه بأنه الضعيف في مواجهة حماس وقدرته على استعادة جنوده.
- خشية نتنياهو في التعاطي مع سيناريوهين: الأول استلام الجنود أحياء فماذا سيقول لعوائلهم وللرأي العام الإسرائيلي الذي أبلغهم بأنهم قتلوا وضغط عليهم لفتح بيوت عزاء لهم، أما السيناريو الثاني أن يكونوا قتلى، وهذا يتوقف على حجم الثمن الذي سيقدمه نتنياهو للمقاومة الفلسطينية وأثر ذلك على الرأي العام الإسرائيلي.
- هناك أطراف لا تريد أن تسجل حركة حماس إنجازات تساهم في تقويتها وتعزز حضورها شعبيًا في ظل تعقيد المشهد السياسي محليًا وإقليميًا ودوليًا.
- عدم تشكيل عوائل الجنود الصهاينة لوبيات ضغط على حكومتهم، كما قامت به عائلة الجندي جلعاد شاليط، وكان لتلك الضغوط تأثير كبير على دفع نتنياهو استحقاقات الصفقة وثمنها للمقاومة الفلسطينية ممثلة بحركة حماس.
الخلاصة:
أعتقد أن عام 2019م، ممكن أن يشهد تقدمًا في ملف صفقة التبادل، وهو ما يتمناه كل إنسان على هذه المعمورة، ما يريده شعبنا الفلسطيني أن ترسم البسمة على شفاه 6500 أسير وأسيرة فلسطينية قضوا زهرة شبابهم في السجون الإسرائيلية لمقاومتهم ومناهضتهم للاحتلال، وفي نفس الوقت لا أعتقد أن المقاومة ترغب في الاحتفاظ بهؤلاء الجنود إلى مدى الحياه فهي تريد إعادتهم لأمهاتهم مقابل أن يتم دفع الثمن لتلك الصفقة، فطالما البيئة المحلية والإقليمية والدولية داعمة لإبرام تلك الصفقة، فيا ترى ما المعطل الحقيقي لها؟ وكيف من الممكن تجاوز كل التحديات التي تعترض طريقها؟ الفعل الحقيقي هنا لعوائل الجنود الصهاينة ومدى قدرتهم على التحرك في هذا التوقيت الحساس للضغط على الحكومة الإسرائيلية ومساعدة نتنياهو عبر تشكيل رأي عام ضاغط وداعم لإبرام صفقة تبادل وفاء أحرار 2.