تقليص (إسرائيل) ميزانية البعثات الدبلوماسية في الخارج ليس شأناً إسرائيلياً، ويجب ألا يمر على الفلسطينيين دون قراءة وتمعن، ولا سيما أن تخفيض ميزانية البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد بحاجة إلى تنظيف نفسه أمام المجتمع الدولي، ولم يعد بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتسويق فكرة الاستيطان، أو تجميل شكل الاحتلال، أو الدفاع عن ممارساته العدوانية ضد المواطنين في الضفة الغربية وغزة، وكل هذا يرجع إلى غياب التأثير المباشر للبعثات الدبلوماسية العربية والفلسطينية على الرأي العام الدولي، وهذا ما طمأن الإسرائيليين وشجعهم على تخفيض حجم ميزانية بعثاتهم، وتحويلها إلى وزارات ومؤسسات أكثر نفعاً وجدوى للاحتلال.
لقد جمدت (إسرائيل) عضويتها في حوالي 20 منظمة أممية ودولية مختلفة، بل وصل التقليص إلى المعدات المكتبية الأساسية للبعثات الدبلوماسية، وهذا ليس دليل فقر وعجز في الميزانية المخصصة لهذا الشأن التي بلغت قبل التقليص 350 مليون شيكل لعام 2019، أي ما يعادل مئة مليون دولار أمريكي، هذا التخفيض يؤكد أن الإسرائيليين مطمئنون إلى مكانتهمالدبلوماسية في دول العالم، لذا صار تحويل الجزء الأكبر من هذه الميزانية إلى مؤسسات ووزارات أكثر حاجة وضرورة..
ميزانية دولة الكيان الإسرائيلي العامة تزيد على مئة مليار دولار، خصص منها 20 مليار دولار لوزارة الحرب والشؤون الأمنية، وهذا دليل على تصاعد الاهتمام الإسرائيلي بالأوضاع الميدانية أكثر بكثير من اهتمامهم بالأوضاع الدبلوماسية، التي لم تعد بحاجة ملحة إلى هذه المبالغ، وهذا ما يستوجب القراءة الفلسطينية والمساءلة: لماذا تواصل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية عملها في الخارج، وبالميزانية نفسها أو يزيد، دون مساءلة عن الإنجاز، وما تم تحقيقه من حضور للقضية الفلسطينية على مدار سنوات؟ وأين تذهب كل تلك الأموال المخصصة من ميزانية فلسطينية تقوم على التبرع والمساعدات الخارجية؟
ميزانية السلطة الفلسطينية لا تتعدى 6 مليارات دولار، ما يعادل واحدا إلى عشرين من ميزانية الكيان الصهيوني تقريباً، وهذا يفترض ألا تتجاوز ميزانية البعثات الدبلوماسية الفلسطينية مبلغ 17 مليون دولار قياساً إلى الميزانية الإسرائيلية، فهل هذا هو المبلغ المرصود في الميزانية الفلسطينية للبعثات الدبلوماسية؟
أزعم أن مبلغ 17 مليون دولار لا يكفي نفقات سفر ومبيت وطعام لبعض البعثات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نشاط هذه البعثات لا يتوازى مع ما تنفقه، وقد تجلى ذلك في تدني التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وفق ما ظهر في التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المقارنة بين نشاط البعثات الدبلوماسية الفلسطينية ومثيلتها الإسرائيلية من مقومات النجاح، فالمنافسة بين نقيضين شرسة وعنيدة، وتفنيد الأكذوبة الإسرائيلية لا يستوجب جهداً بمقدار ما يتطلب وفاء وإخلاصاً في الولاء والمتابعة والعطاء، وهذا لا يتحقق إلا من خلال المساءلة التي تميز بها الإسرائيليون، وتفوقوا فيها على الفلسطينيين.
غياب المجلس التشريعي الفلسطيني أوجد غياب المساءلة، وغياب المساءلة ترك وزارة الخارجية وغيرها من الوزارات والمؤسسات تعمل وفق تقديرات الوزير، ومزاج العاملين، وهذا أمر يجب أن يتوقف، وعلى الفلسطينيين تدارك أمرهم، وإنقاذ مستقبل أجيالهم، وذلك بفرض نظام سياسي فلسطيني يعتمد الديمقراطية رغم أنف الرافضين، نظام سياسي يقوم على المساءلة والشفافية والمصداقية، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية.