فلسطين أون لاين

بعد الستين.. فرصةٌ لتتويج الإنتاج والتحرر من قيود الوظيفة

...
صورة تعبيرية
غزة - مريم الشوبكي

في ثقافة مجتمعاتنا العربية، التقاعد هو موعد التوقف عن العمل، ومبرر لنهاية الإنتاج، والخلود إلى الراحة، وبفعل هذه الثقافة تبدأ المشكلات الصحية والاجتماعية باقتحام حياة المتقاعد، فتتدهور حالته الصحية بعد انطفاء شعلة العمل والنشاط، بينما في الدول المتقدمة فالتقاعد يفتح الباب لشكل جديد من الإنتاجية، حيث يُعيّن المتقاعدون مستشارين للدولة، وتُستثمر طاقاتهم في العمل التطوعي.. وبحسب دراسة علمية أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الأشخاص الذين يواصلون العمل إلى ما بعد سن التقاعد يعيشون لفترة أطول من أقرانهم ممن يتقاعدون في السن القانوني.

الطموح في الستين

"أحمد غريب" الذي بلغ السادسة والستين من عمره يسير وفق مبدأ خلاصته أن "الشباب يبدأ بعد الستين، وأن هذا العمر ليس موعدا للراحة والنوم، إنما هو مدعاة للعمل ومواصلة النشاط".

غريب الذي شغل منصب مدير دائرة الإحصاء في وزارة البريد والاتصالات سابقا، قال: "بعدما تقاعدت من الوظيفة اتجهت لأعمال خاصة، وانتسبت لنادٍ رياضي حتى أحسن صحتي وأتخلص من الترهلات الناجمة عن الوظيفية لأسترجع شبابي".

وأضاف لـ"فلسطين": "عملت في منصب أمين صندوق جمعية المتقاعدين الحكوميين سابقا، والآن أشغل وقتي بحضور المؤتمرات الصحية وغيرها، والأمسيات الشعرية والأدبية والرياضية، بالإضافة إلى المشاركة في نشاطات اجتماعية".

وأشار إلى أن فلسفته في الحياة بعد سن الستين تقوم على أن الطموح يزداد بعد هذا العمر، وأن الإنسان يجب أن يستمر في العطاء، وفي هذا العمر يستطيع الفرد أن يهتم بهوايته وينميها أكثر ويستمتع بها، فهو ما يزال يمارس هوايته في الرياضة والقراءة والسفر أيضا.

وأوضح غريب: "الراحة بالنسبة لي هي أخذ كفايتي من النوم، وتناول الغذاء الصحي المتكامل، والتمتع بالراحة النفسية والهدوء، ومن ثم الانطلاق نحو المجتمع والقيام بأعمال محببة لي، وعدم المكوث في البيت لأن ذلك سيجلب لي الكثير من المشاكل والأمراض".

وبيّن: "أحب السفر، وسافرت مرتين بعد تقاعدي لزيارة ابني في النرويج، ومن ثم مصر للاستجمام فيها، وعندما تسنح لي الفرصة سأسافر مجددا".

لا يمنعه عمر

الحاج "صالح عاشور" (68 عاما) تقلب في حياته ما بين الوظيفة في شركات خاصة والعمل الحر، فعمل في كثير من المجالات كسائق وتاجر وبائع، ومن ثم انتهى به الأمر إلى فتح مشروعه الخاص في بيع المواد الغذائية.

تحدث لـ"فلسطين": "ليس هناك عمر محدد يمنعني من العمل، لا أزال أواصل العطاء والعمل لأنني لم أهرم، ومنّ علي الله بالصحة، ومن الصعب على شخص يعمل منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره أن يمتنع عن العمل بسبب وصوله سنا معينا".

وبيّن: "حتى الآن، لا أزال أشتري لوازم البيت بنفسي ولا أوكّل أولادي بذلك لأني لا أريد أن ينتهي دوري كرب بيت، فالتوقف عن العمل يعني موتي".

تتويجٌ للإنتاج

وتعقيبا على ذلك، قال رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات الدكتور درداح الشاعر: "ساعات النوم تتناسب تناسبا عكسيا مع عمر الإنسان، فهو في أيامه الأولى ينام معظم الوقت، وفي الطفولة يحتاج للنوم 12 ساعة يوميا، وفي الخمسين ينام ستّ ساعات تقريبا، وبعد السبعين يقل عدد ساعات النوم إلى أربع فقط".

وأضاف الشاعر لـ"فلسطين": "هذا التناقص يرجع لكون الإنسان في عمر متقدم لا يقوم بجهد بدني وعضلي يستدعي النوم، والنوم لا يعبر عن حاجة فسيولوجية فقط بل حاجة نفسية أيضا، إذ يهرب من لا يعمل من الحياة إلى النوم، وهو حيلة دفاعية للتخفيف من التوتر والقلق".

وبين أن الانسان بعد الستين يصاب بضعف ملحوظ الجسم، ولكن هناك فائدة كبيرة في خبرته ويمكن الانتفاع من خبراته في هذا العمر في مجال التأليف والنقد والحكم والتفسير، وهناك عمليات عقلية راقية تمكّن الإنسان من أن يقدم إبداعا أدبيا.

وأكد الشاعر أن عمر الستين ليس سنًّا لانعدام الحياة والتوقف عن الإنتاج، بل هو مرحلة تتويج الإنتاج، والمجتمع والمتقاعد مسئولان عن الحالة النفسية له، موضحا: "إذا اعتبر المتقاعد أن انتهاء دوره في الوظيفة يعني التوقف عن العمل سيشعر بالإحباط، ولكن إذا كان طموحا لأن يوظف ما لديه من إمكانيات وقدرات سيجد أن عمر الستين هو البداية لأمور يرغبها كانت الوظيفة تفرض قيودا عليها".

ونوه إلى أن الأصل في المجتمع أن يوفر للمتقاعد فرصة عمل تتوافق مع إمكانياته وقدراته لكي يستفيد منه في عملية التنمية، ولكن إن لم توفر الدولة أعمالا تتناسب مع إمكانياته، فعليه أن يستثمر قدراته بنفسه وفق الإمكانيات المتاحة لديه.

ولفت الشاعر إلى أن "الطموح الشخصي يزيد بعد التقاعد لأن المتقاعد يتحرر من أعباء الوظيفة، فالعمل عبادة وإحساس بالقيمة والوجود، والجالس في البيت لا يختلف عن الميت".