فلسطين أون لاين

"التنسيق الأمني" حاجز منيع أمام مواجهة الاستيطان في المحافل الدولية

...
صورة أرشيفية
غزة/ خضر عبد العال:

بين تصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية بشأن مواجهة جريمة الاستيطان التي نهشت أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، ومواقفها ميدانيًّا تباين واضح، إذ لا تزال تُبقي على الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي من تعاون وتنسيق، خاصة في الجوانب الأمنية.

ويعد رئيس السلطة محمود عباس التنسيق الأمني مع الاحتلال "مقدسًا"، كما وصفه خلال لقائه أحد الوفود الإسرائيلية في مقر المقاطعة برام الله، متجاهلًا قرارات المجلس المركزي القاضية بوقفه وإنهاء اتفاقية باريس الاقتصادية.

ولوّح عباس أكثر من مرة بالتوجه للمحاكم والمحافل الدولية بشأن الاستيطان، آخرها في أيلول (سبتمبر) 2018م حين قال: "هناك قضيتان مهمتان، سنتوجه بهما للمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل العليا، وهما: قضية الخان الأحمر والاعتداء عليه وترحيل سكانه، ووتيرة الاستيطان المرتفعة".

وبين هذا التلويح وذاك التصريح، يقف الفلسطيني حائرًا من موقف السلطة من كل هذا، في حين أن الاحتلال يشرعن عبر محاكمه للمستوطنين البناء فوق الأراضي الفلسطينية "الخاصة" طمعًا في ضم المزيد من أراضي الضفة للمستوطنات.

وحتى صياغة هذا النص، لا جديد معلنًا في التوجه للمحافل الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وخاصة بشأن الاستيطان الذي لم يتوقف -ولو لحظة واحدة- في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، سوى أن مسؤولي السلطة يواصلون التلويح بالتوجه إليها.

ويرى مراقبون أن فتح تحقيق جدي في جريمة الاستيطان يحتاج لخطوات جدية مساندة من أجل مواجهة سياسات الاحتلال، وفي مقدمتها وقف السلطة كل أشكال التعاون والتنسيق مع الاحتلال.

ويشار إلى أن فلسطين صارت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، بدءًا من 1 نيسان (إبريل) 2015م، بعد أن وقع رئيس السلطة الانضمام إليها في كانون الأول (ديسمبر) 2014م.

وكان مجلس الأمن الدولي تبنى قرار (2334) في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2016م، ينص على مطالبة الكيان العبري بوقف الاستيطان في الضفة الغربية (وفيها شرقي القدس)، وعدم شرعية إنشائه المستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967م، وكان ذلك بعد امتناع تاريخي لإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار، الذي قدمته السينغال وفنزويلا ونيوزلندا وماليزيا.

غياب الإرادة السياسية

رئيس دائرة الرصد والتوثيق في مؤسسة الحق تحسين عليان أكد وجود تحرك فلسطيني جاد في المحاكم الدولية من أجل مواجهة جريمة الاستيطان، إلا أن ما يمنع إصدار قرارات دولية توقف هذه الجريمة هو غياب الإرادة السياسية.

ولفت عليان في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى ضرورة استمرار الضغط الفلسطيني على الاحتلال من أجل وقف جرائمه، بوقف السلطة كل أشكال التعاون والتنسيق الأمني معه، مؤكدًا أن ذلك "قد يكون أفضل الأدوات المتوافرة في يد الفلسطينيين للضغط على الاحتلال من أجل وقف جرائمه، ثم المضي قدمًا في مساءلة الإسرائيليين عن الجرائم التي ارتكبوها".

وأضاف: "إن المطلوب كذلك من مؤسسات المجتمع المدني الاستمرار في دورها بشكل تكاملي بدءًا من توثيق هذه الجرائم وتثبيت الدلائل، والتواصل والضغط على المحكمة الجنائية الدولية، ومواجهة التهديدات التي تصدر من بعض الدول، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية".

جريمة مركبة

مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني أكد أن اتفاقيات جنيف الرابعة حددت بوضوح أن الاستيطان هو جريمة حرب خطيرة ومركبة، إذ لها ثلاثة مستويات، بدءًا من مصادرة الأراضي، ثم إقامة المستوطنات، وانتهاءً بنقل المستوطنين المحتلين إلى المناطق المحتلة في المستوطنات.

وأوضح الصوراني في حديثه لـ"فلسطين" أن ميثاق روما الأساسي كذلك صنّف الاستيطان جريمة حرب، معقبًا: "عندما قبلت فلسطين دولة عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية بعد توقيع ميثاق روما الأساسي والتصديق عليه؛ شكلت المدعية العامة للمحكمة الجنائية لجنة التحقيق الأولي".

ورأى أن الاستيطان من أخطر التهم التي تواجه الكيان الإسرائيلي وتحرجه أمام المحاكم الدولية، لذا دعا لمقاطعة المحكمة الجنائية الدولية ومقاطعة ميثاق روما وعدم توقيعه.

وتابع: "هم يتألمون من حقيقة وجود القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة، وميثاق روما، لأنه -دون أدنى شك- هذه تشكل جريمة حرب بكل المعايير، لن تسقط بالتقادم".

ولفت الصوراني إلى أنه لم يُعقد اجتماع لمجلس حقوق الانسان إلا ويدان خلاله الكيان على قضية الاستيطان، كما أن كل قرارات الجمعية العامة المتعلقة بموضوع الاستيطان أدانته على ذلك.

وتمم حديثه: "بكل المستويات، يعد الاستيطان جريمة حرب وانتهاكًا خطيرًا، ونسخة جديدة غير مسبوقة للفصل العنصري نتيجة ما يمارسه الاحتلال، خصوصًا بعد نقل أكثر من مليون مستوطن إلى الأراضي المحتلة، أيضًا يُصنف الاستيطان من جرائم الاحتلال المستمرة".