ما أن تدق الامتحانات الأبواب معلنة اقتراب موعد بدئها، حتى تنطلق صفارات الإنذار في كثير من البيوت معلنة حالة الطوارئ، ويتولى الأبوان إدارة هذه الحالة حرصا منهما على توفير أجواء مناسبة للدراسة لأبنائهما، وتعم أرجاء البيت مخاوف من الفشل والإخفاق في تحقيق الأمل المرجو، وتسود العصبية، ويعاني الأبناء من القلق وعدم التركيز، إلى جانب خليط من المشاعر السلبية التي تتولد في تلك الفترة.. فما سبب هذه الحالة النفسية؟، وكيف يمكن للأهل التغلب عليها ومواجهتها؟.. هذا ما نتحدث عنه في السطور التالية:
خوفٌ وتشتت
"خولة درويش" (30 عامًا) أم لثلاثة أبناء فارق العمر بين كل منهم وبين الذي يليه عام واحد فقط، قالت: "تقارب أعمار أبنائي يجعلني أفرض طوقًا من الحصار، فأمنعهم من الخروج من البيت، وأرفض استقبال أي شخص، مع إغلاق التلفاز تماما، وإزالة الهاتف، وأجنّبهم أي شيء يمكن أن يشغلهم عن الدراسة".
وأضافت: "هذا الطوق المفروض على الأبناء من شأنه أن يوفر جوّا نفسيا مناسبا للأبناء ليدرسوا جيّدا"، متابعة: "بالكاد أستطيع مساعدتهم في مراجعة دروسهم، خاصة أنني لا أضمن النتيجة إذا اعتمدوا على أنفسهم بالدراسة دون تدخلي".
وأشارت درويش إلى أن مشاعر الخوف والقلق والتوتر تخيّم على أبنائها قبل ساعات من التوجه إلى المدرسة في أيام الامتحانات، وفي بعض الأحيان تؤثر عليهم هذه المخاوف أثناء أدائهم للاختبار.
الأم لأربعة أبناء أكبرهم في الصف السادس الابتدائي "دعاء أبو سمعان" والتي تجد صعوبة بالغة في السيطرة على أبنائها للدراسة، لكون الجو الخارجي غير مهيأ لذلك، قالت: "أبنائي يدرسون في مدارس تابعة لوكالة الغوث، بينما جميع أبناء عمهم في مدارس حكومية، وهذا يعني أنه في الوقت الذي يكون فيه أبنائي يستعدون للامتحانات فإن كل الأطفال في البناية تكون إجازتهم قد بدأت".
وأضافت: "هذا الفارق في توقيت بدء الإجازة يشتت أبنائي، ويكون تركيزهم مع أصوات أبناء عمومتهم أثناء اللعب، فأواجه مشكلة معهم في إقناعهم للدراسة".
مشاعر سلبية
أما "مصطفى عبد الله" طالب في الثانوية العامة فيعاني من الأرق والكوابيس، والقلق، والخوف الشديد، وذلك بفعل اقتراب موعد الامتحانات.
وقال: "المجتمع الذي نعيش فيه، وضغط الأهالي، وحرصهم الكبير على تحقيق أمنياتهم، أمور زرعت في نفوسنا الخوف والرعب من هذه المرحلة المصيرية"، مضيفًا: "الهواجس والأفكار السلبية التي تسيطر علينا خشية الفشل هي السبب في التوتر والقلق، بالإضافة إلى الخوف من عدم الحصول على نتيجة مرضية لقاء التعب والاجتهاد".
إيجابي.. ولكن بحدود
ومن جهته، أوضح الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب أن الامتحان يشكل حالة فارقة لكل طالب يسعى للتميز والتفوق، وهو بحد ذاته وسيلة ضاغطة تحتاج إلى عمليات معقدة من الاسترجاع والتحليل والتفسير، لذا يصاب بالقلق وعدم الاستقرار النفسي كل طالب يدخل الامتحان.
وقال لـ"فلسطين": "السبب الرئيس للتوتر هو ارتباط نتيجة الامتحان بمفهوم الذات، وبمنظومة متكاملة يبدؤها الطالب بنفسه ومن ثم أسرته، ثم المحيط الاجتماعي من أصدقاء ومدرسين، لذلك فإن أي قصور ينتقل سريعًا إلى تلك المنظومة بالسلب أو بالإيجاب".
وأضاف أبو ركاب: "التوتر والقلق أمران إيجابيان، بل هما المحفز الأساسي للطالب لزيادة مجهوده العام، ولكن لو زاد هذا المنسوب عن الحد الطبيعي يصبح حالة مرضية وقد يؤثر على المدى البعيد على التركيبة الشخصية للطالب، أما على الصعيد الذاتي فإن زيادة القلق والتوتر تؤثر على مستوى التذكر بشكل كبير، وهذا النسيان يتسبب بشعور بالفشل, وربما ترافقه مجموعة من الأعراض النفسية والجسمية منها الصداع المستمر، والمغص وآلام المفاصل والشعور بالغثيان".
وبين أنه يمكن السيطرة على المخاوف المتزامنة مع الاختبارات من خلال الدعم الاجتماعي، فهو مهم للاستقرار النفسي عند الطالب، فطلب الأهل من الطالب أكثر من طاقته يدمر قدرته على الفهم، ويشعره بعدم القدرة على السيطرة الذاتية، ودائمًا يكون الطلبة الأصغر سنًا بحاجة إلى الاحتواء النفسي أكثر من غيرهم من الفئات العمرية الأكبر سنًا.
وأشار أبو ركاب إلى أنه إذا تم تدريب الطلبة منذ الصغر على الضبط الذاتي للمشاعر والأفكار والسلوكيات فإن ذلك يعمم على باقي مناحي الحياة، وخصوصًا الناحية العلمية منها.
وأوضح: "يجب على أولياء الأمور أن يكونوا أكثر مرونة مع المواقف الطارئة، ويجب عليهم الفصل في متابعة الأمور، فكل بيت له خصوصيته في التعامل مع أفراد أسرته، وعلى الذين أنهوا دراستهم ألا يشكلوا عامل ضغط وسببا إضافيا للتوتر والقلق".
ونوه إلى أن طلبة الثانوية العامة لهم خصوصية في التعامل، خاصة أن الظرف الضاغط هو المفهوم الاجتماعي عن تلك المرحلة، لذلك هم أحوج من غيرهم لتلبية احتياجاتهم وإشعارهم بذواتهم وبأن الأسرة بأكملها تدعمهم.
ونصح أبو ركاب الآباء باحتواء الأبناء وتحمل تصرفاتهم قدر الإمكان لأنها تنم عن الضغط النفسي الذي يعانون منه، وتقبل الطالب كما هو وعدم إشعارهم بالتقصير أو محاولة تعديل سلوكياته أثناء فترة الامتحانات، مع توفير الأجواء الهادئة والمناسبة والدعم من خلال العبارات الإيجابية، ومنحه الثقة، فهذا من شأنه أن يزيد من معدل الذكاء العام.